الأردن وفلسطين هويتان وطنيتان وقوميتان مستقلتان داخل دولتين جارتين، المملكة الاردنية الهاشمية وعاصمتها عمان، ودولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الشرعية الدولية (242, و338). و يعيشان حياة واحدة نسيجها الديمغرافي متداخل داخل الأردن , و في العمق الفلسطيني . و يحتفظ الأردن بديمغرافيته الاردنية شرق النهر , وهو حق تاريخي ووطني , و تحتفظ فلسطين بديمغرافيتها الفلسطينية غرب النهر و هو حق تاريخي ووطني لها أيضا . و لا يفصل بينهما سوى نهر الاردن الخالد المكان التاريخي لتعميد السيد المسيح , وهو المكان , و المنطقة الجامعة للهويتين , و الشعبين الشقيقين و اكثر , ولكل الأديان الأبراهيمية السمحة (الإسلام , و المسيحية , و اليهودية ) أتباع جدهم ابراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام . و تاريخنا واحد , و حاضرنا واحد , و مستقبلنا واحد , و معا ننشد الوحدة العربية الواحدة التي دعانا اليها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه من وسط صيحته و حراكه القومي الثوري عام 1916 . كتب المؤرخ الأردني الكبير الراحل سليمان الموسى في كتابه ( الحركة العربية ) , ص 695 ( إن الوثائق المتوافرة بين أيدينا تدل أن الملك كان يتصور وحدة بين الاقطار العربية المتعددة .. بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية , و بحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد , و النقد الواحد ,و جوازات السفر الواحدة , و المصالح الواحدة , و الجيش الواحد) .
أسوق كلامي هذا هنا لتعريف المنظومة الدولية التي تتعامل معنا نحن العرب , و الأردنيين , و الفلسطينيين الاشقاء عبر مسار السلام الاسرائيلي - العربي التاريخي منذ معاهدتي كامب ديفيد 1978 1979 , ووادي عربة 1994 . و الذهاب مع العرب إلى معاهدات جديدة تشمل المناطق الشامية الاخرى , و الجزيرة , و شمال أفريقيا وسطهم من دون شروع اسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ حرب حزيران عام 1967 بسبب عدم وجود معاهدات سلام انفرادية معهم , بمعنى مع الفلسطينيين , و السوريين . وهو الأمر المخالف للشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة و مجلس الامن بكل الاحوال . و انسحبت إسرائيل بالكامل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بموجب اتفاقية سلام. و انسحبت من جنوب لبنان عام 1982 2000 بعد مطاردتها للمقاومة الفلسطينية هناك. و أبقت على احتلالها لمزارع شبعا اللبنانية معتبرة إياها سورية بعد فك الارتباط بين إسرائيل و سوريا عام 1967 . و انسحبت من قطاع غزة بشكل أحادي عام 2005 , بسبب عدم مقدرتها تحمل سخونة المقاومة الفلسطينية ( الرديكالية ) حسب تعبيرها .
و اعلنت إسرائيل نتنياهو و بالتعاون مع امريكا ترمب أسرلة الجولان – الهضبة السورية العربية المحتلة عام 1967 , عبر حفل توقيع سخيف و هزيل جرى في واشنطن في البيت الابيض عام 2019 , وقعه البهلوانيان دونالد ترمب , و بنيامين نتنياهو بسبب عدم مقدرة إسرائيل للوصول لمعاهدة سلام مع سوريا . و في زمن رفضت فيه سوريا توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل لاتضمن فيها سيادتها الكاملة على جولانها المحتل عام 1967 من دون شروط مسبقة . وهي التي غرقت بحرب إرهابية مبرمجة غزتها من 80 دولة , وسط ربيعها العربي , كما كل العرب . وأملنا كبير نحن العرب أن تصبح امريكا جو بايدن عادلة إعتبارا من هذا العام 2020 , بعد تخلصها من تأثيرات اللوبي الصهيوني عليها عبر مؤسسة ( الإيباك ) التي تأسست عام 1953 , و اخترقت المؤسسات السيادية الأمريكية كافة ( البيت الأبيض ,و الكونغرس , و البنتاغون " الدفاع و الاستخبارات ال CIA ( , لكي تساهم بقوة في عقد معاهدة سلام عادلة بين اسرائيل و سوريا تعيد لها جولانها و تخليه من الاستيطان غير المشرع . و لكي تتمكن و بالتعاون مع الدول الدائمة مثلها في مجلس الأمن ( روسيا الاتحادية , و الصين , و فرنسا ) لنقل ملف القضية الفلسطينية الى داخل مجلس الأمن , ليشاهد العالم عدالة أمريكا , كما روسيا , و الصين , و بريطانيا , بهدف إقامة دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة على أرضها . و ضمانة حق العودة و التعويض . و تجميد و إخلاء المستوطنات اليهودية غير الشرعية .
ألدعم الأمريكي السنوي الاقتصادي , ومنه العسكري للاردن بحجم ( مليار و 275 مليون دولار منذ عام 2018 و حتى عام 2022 ) , و غيره الدولي مقدر و مشكور . و دعم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2020 ما مقداره ( 150 مليون دولار , وللشعب الفلسطيني الصامد على ارضه عبر الكونغرس الامريكي مطلوب و مقدر . ولا نقبل هنا في الاردن أن نكون بخير ما دامت فلسطين ليست كذلك . ودعم اللاجئين الفلسطينيين في الداخل و الخارج الفلسطيني واجب أممي يجب أن لا يتراجع أو أن يتم ربطه بالسياسة . وأية معالجة اقتصادية للدول العربية الفقيرة مثل الأردن , و فلسطين يجب أن تستند على الحلول السياسية العادلة للقضية الفلسطينية , و لا نقبل بأقل من ذلك . و لا مخرج لأمن المنطقة من غير إقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة مع ضمانة حق العودة و التعويض و تجميد و اخلاء المستوطنات اليهودية غير الشرعية كما أسلفت هنا . وصفقة القرن المشئومة منذ انطلاقتها عام 2019 , و التخطيط لها من قبل إسرائيل و أمريكا دونالد ترمب , و صهره المراهق جاريد كوشنير لاعلانها على شكل صفقة رابحة لهما بحيث تنقسم الى مالية اولا و سياسية ثانيا و لاحقا على طريقة ( إطعم الثم بتستحي العين ) . لكن الفلسطينيون رفضوها بالكامل و اعلنت السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس مقاطعة أمريكا و إسرائيل معا , وحتى على مستوى التنسيق الأمني الواجب وضعه بالكامل تحت علامة استفهام كبيرة . و الان بعد فوز جو بايدن برئاسة امريكا نهاية هذا العام 2020 , عادت السلطة الفلسطينية برئاسة عباس و أعلنت عن إعادتها للتنسيق السياسي و الأمني لاسرائيل تكريما لأمريكا برئاسة بايدن , وطمعا في دعمها المالي عبر منظمة الأونرا ربما , و لفتح صفحة جديدة مع الغرب الأمريكي , و لمغازلة روسيا بوتين أيضا .
كل ما نريده من أمريكا جو بايدن الان هو أن تتنازل عن غرور ( القطب الواحد ) , وأن ترفض الحرب الباردة , و سباق التسلح , و أن تنفتح على شعوب العالم و قضاياه اكثر , و لأن تكون عادلة . و موضوع أن تكون إسرائيل خط أحمر لكبريات دول العالم مثل ( أمريكا , و اوروبا , و روسيا ) درس استوعبناه نحن العرب . لكن أن تبقى إسرائيل محتلة لأراضي العرب منذ عام 1967 درس اخر يصعب علينا استيعابه . ( وما بضيع حق وراه مطالب ) , هو مثلنا العربي الشعبي الذي تبقى لنا , بعد فقدان شعار الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ( ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) لبريقه في زمننا المعاصر . و لازالت الوحدة العربية بعيدة المنال . و لا زال العرب يرفضونها , و لا يعيرونها إهتمامهم بحكم امتلاكهم لثروتي البترول , و الغاز تحديدا . و المعروف أن الثراء لا يشكل بالضرورة منصة للوحدة , بينما هو الفقر وحده عندما يعم يكون مؤهلا أكثر لها .
كتب جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين " حفظه الله " في كتابه " فرصتنا الأخيرة - السعي نحو السلام في زمن الخطر " الصادر عام 2011 . ص 27 : ( ثابت واحد لم يغادر حياتي منذ طفولتي وهو الصراع بين الإسرائيليين و الفلسطينيين . يميل البعض في الغرب وفي اسرائيل إلى تصوير هذا الصراع على أنه إستمرار لصراع قديم . لكن هذا البعض مخطيء . فهو صراع حديث نسبيا , تعود جذوره إلى الهجرة اليهودية إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين ) . وهنا أساند ما جاء به سيدنا جلالة الملك , و أدعو لتفسير الحضور اليهودي في ارض فلسطين بحكم ارتباطهم بتفسير التوراة , و قصة ارض الميعاد , رغم مرور اليهود عبر تاريخ منطقتنا العربية بزمن يقاس ب 80 سنة في أقصاه , بينما هو الوجود اليبوسي - الكنعاني تعود جذوره الى اكثر من 5000 الاف سنه . كتب د. عبد الوهاب المسيرى في موسوعته ( اليهود و اليهودية و الصهيونية - المجلد الثاني . ص 216 ( وعد بلفور , هو التصريح الشهير الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1917 تعلن فيه عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين , وحين صدر الوعد كان عدد أعضاء الجماعة اليهودية في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان .
في كل المعارك التي خاضها الأردن عبر جيشه العربي - القوات المسلحة الأردنية الباسلة ( باب الواد , و اللطرون لتحرير القدس , و 1948 , و 1967 , و 1968 ) , الرابحة منها و الخاسرة كان عنوانها فلسطين , و الدفاع عن ترابها و مقاومتها الوطنية الى جانب الدفاع عن ثرى الأردن . ولم يرواغ الاردن يوما على المصير المشترك الواحد , وكان الهدف القومي واحد دوما . و إبان قضية الغور الفلسطيني المحاذي للغور الأردني و شمال البحر الميت الذي اثارتها اسرائيل مؤخرا عام 2019 , تصدر الأردن الموقف العربي الرافض لمشروع الضم المستنكر , و تم التعامل معه أردنيا بعيون حمر لقنت إسرائيل درسا لن تنساه , و اعادتها لاحترام معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية الموقعة عام 1994 . و جاء تصريح جلالة الملك عبد الله الثاني لمجلة دير شبيغل الألمانية وقتها صادما للاسرائيلين , حيث قال جلالته : ( لا أريد ان أطلق التهديدات أو أن أهييء جوا للخلاف و المشاحنات . و لكننا ندرس جميع الخيارات . ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا و المجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب ان يطبق في الشرق الاوسط ) , وعنى جلالته بذلك الصدام الكبير مع بلده حال شروع إسرائيل بضم الغور . و هو الأمر الذي دفع باسرائيل أن تعزف عن مشروعها التوسعي تحت مخرج الإعلان عن تأجيله الى إشعار اخر . و بالمناسبة لعب الأردن دورا محوريا في جوهر و عمق القضية الفلسطينية , و لصالح مستقبلها . كتب مروان المعشر في مؤلفه ( نهج الاعتدال العربي . مذكرات سياسية 1991- 2005 ) .ص 29 ( أدى الأردن بذلك دورا أساسيا في صوغ قرار مجلس ألامن الدولي رقم 242 في نوفمبر تشرين الثاني 1967 و إقراره . وقد دعا القرار اسرائيل الى الانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها في الحرب , مقابل حصولها على السلام . و منذ ذلك الوقت اصبح مبدأ " الأرض مقابل السلام , الركيزة الاساسية لسياسة السلام الإقليمية التي يتبعها الاردن . وفي صفحة 37 38 منه تحدث المعشر عن مدرسة أردنية سياسية ترسخ لها بأن في قيام دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين , و الذي هو نهج اردني مبتكر , من شأنه أن يساعد على تطوير هوية أردنية سليمة , وتعريف نهائي للفلسطيني المقيم في الدولة الفلسطينية الجديدة .
و في كتاب الدكتورة مديحة المدفعي " الاردن و حرب السلام " , ص13 نقرأ ( في الحادي و الثلاثين من تموز 1988 ألقى جلالة الحسين خطابا أعلن فيه فك الارتباط القانوني و الإداري مع الضفة الغربية المحتلة . من منطلق احترام رغبة ( م.ت .ف ) الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ... و أنه سيتم إقامة دولة فلسطينية بعد تحرير الأراضي المحتلة , و أن قرار فك الارتباط يعزز الدور و الاستقلال الفلسطيني ) , انتهى الاقتباس , و تعليقي هنا هو بأن الأردن إنصاع لرغبة الفلسطينيين اشقاءنا , و لرغبة العرب بهذا الاتجاه من وسط مؤتمرهم في الرباط عام 1974 . لكن إسرائيل ومعها أمريكا عملا معا لعرقلة كل مشاريع السلام العربية - الإسرائيلية الخاصة بالقضية الفلسطينية مثل ( أوسلو ) بواشنطن 1993 , و الذي انبثق عن مؤتمر مدريد عام 1991 , و قبل ذلك سرا عن أوسلو في النرويج . و هي المؤتمرات التي نادت بوقف العنف طريقا للجهاد , و القبول بالتفاوض و الاعتراف المتبادل . وقابل هذه المعادلة في عمق التاريخ احتيال صهيوني - إسرائيلي مشترك على قرار تقسيم فلسطين عام 1947 بعد التفافهما على عصبة الامم المتحدة , و إستغلالهما لرفض العرب لقرار التقسيم برمته لسبب واحد هو أن كل فلسطين بالنسبة للفسطينيين و العرب و قتها اعتبرت عربية التاريخ , وهو كذلك , و الحضارة الكنعانية شاهدة عيان . و تحولت (الدولة) العبرية الواجب انذاك أن تقبل بدولة عربية مجاورة , أي فلسطينية , إلى عبرية بالكامل , و لاتعترف حتى بما تبقى من فلسطين للفلسطينيين , و ترفض إنهاء احتلالها لأراضي العرب التي احتلتها عام 1967 بقوة السلاح , وبدعم مطلق من الغرب الامريكي . و ذهبت مؤخرا للتحرش بالغور الفلسطيني و شمال البحر الميت ( سلة خير فلسطين ).
ترك مليكنا الراحل الحسين العظيم في كتاب ( الحسين – ملك المملكة الأردنية الهاشمية " مهنتي كملك , احاديث ملكية لناشره بالفرنسية صاحب جم ,والذي ترجمة الدكتور غازي غزيل , ص 208 " إن جدي الأعلى مدفون في القدس كما تعلم ,. أما جدي الملك عبد الله, فقد لقي مصرعه في القدس بين ذراعي . إن هذه المدينة هي مدينتنا لأكثر من سبب . ومن ثمانية أعوام و المسلمون في العالم
أجمع ملوك و جنود و أغنياء و فقراء ينتظرون لكي يقيموا الصلاة من جديد في المسجد الأقصى الذي يمثل الشيء الكثير في أعيننا " . ومن هنا أستطيع أن أستقي أهمية الوصاية الهاشمية بالنسبة للأردن , و التي هي خط أحمر , ليوم قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية وفقا للشرعية الدولية . و حري بنا هنا أن ننتبه لحراك إسرائيل الجديد صوب السلام مع العرب بهدف توسيع رقعته من دون اخلاء الاراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967 , و محاولتها الالتفاف على الوصاية الهاشمية الأردنية . وفي المقابل دعونا ندقق النظر في التحول الأمريكي الجديد مع قدوم الرئيس جو بايدن تجاه احترام الإسلام ,و رفض الحروب التي شاركت فيها أمريكا من دون نتيجة . و نمحص بتصريح وزير خارجيته الجديد أنتوني بلينكن بخصوص اعترافه بإتفاقية إيران النووية (5+1) الدولية الموقعة مع الدول الدائمة في مجلس الأمن عام 2015 ,مع ترك مساحة لمراقبتها بشكل دائم . وأخيرا هنا و ليس اخرا كما يقال عادة أدعو العالم من جديد لانصاف القضية الفلسطينية العادلة ليسود الامن و الاستقرار المنطقة و كل العالم .