لو كتبتُ هذا المقال في الوضع العادي لانبرى لي الماديون والدنيويون وقالوا بملء الفم : أنتم تدخلون الحزن على الناس !! لكن ماذا عساي أقول واليوم يملأ الموت الطرقات وتغص المقابر بالجنائز ، وصلوات الجنائز تقام بحذر وعلى عجل، والمستشفيات مليئة ، والنعي يملأ الفضاء الإلكتروني ولا يمكن أن يمر يوم الا ونترحم حيث الشباب والشيوخ والنساء والأطفال والعسكريين والأمنيين والمدنيين والمسؤولين والبسطاء والمغمورين والإعلاميين والطيبين ومقابلهم.
نعم رائحة الموت تفوح وتزكم الأنوف وحالتنا النفسية يرثى لها . اقتصاد ينهار ، وسياسة لا تتقدم بنا نحو الأفضل، واجتماع فيه انهيارات ، وتعليم يتهاوى ، وعلاقات عربية في أسوأ حالاتها، ودماء تسيل في بلاد العرب الآسيوية والأفريقية ، وأنظمة تقاتل لبقائها مهما كلف ذلك ، وأهل الفكر تائهون إنْ وجدوا ، ومشردون ولاجئون ينتظرون البرد القارص، ودول استعمارية لا يهمها الا استمرار بيعها للأسلحة ولو على حساب الدم البشري !! ما هذا العالم السخيف ؟ لقد ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وضاقت النفوس . ومع كل ذلك فالموت هو الحقيقة التي لا يختلف في وجودها البشر.
لا نحب الموت ونفر منه لكنه ملاقينا رغم أنوفنا لأننا بشر لا نرقى إلى مستوى الشهداء الذين يحبون الموت أكثر مما نحب الحياة . عاشوا ابطالا" وماتوا مرفوعي الرؤوس ، أما نحن فالحسرة علينا تقتلنا حشرة فتحول البشرية وجود الفيروس إلى تجارة طبية وبهذا ينتكس العالم وهي مقدمات على زواله لان وجود الناس لا يحقق العدل والعدالة بل الجشع والطمع والغش والبطش والظلم فصار باطن الأرض خير من ظاهرها.