«أنا خايف على أبوي وأمي.. خايف على جدي وجدتي»، في هذه الأيام نسمع مثل هذه الكلمات من أشخاص عديدين مصابين بفيروس كورونا، أو معرّضين بسبب طبيعة أعمالهم، أو ببساطة لأنّ ما يسمعونه من أخبار وقصص وحكايات عن المرض، يهدّد بشكل كبير المسنين، وبالأخصّ من يُعاني منهم من أمراض مزمنة مثل الضغط والسكري وغيرها.
جميل ومهمّ وضروري ليس فقط أن «نخاف» على المُسنّين، بل أن نحيطهم بكلّ المحبّة والتقدير والاحترام. فإذا كنّا نقول عن صغار السنّ بأنهم «زينة الحياة»، فكبار السنّ هم «الكنز الحقيقي» الموجود في بيوتنا الغاليّة، سواء القادر منهم على المشي وخدمة نفسه، أو الراقد على سرير الشفاء، وأحيانًا يتألّم بصمت.
بشكل عام، إنّ أبناء بلادنا العزيزة يولون المسنين جلّ اهتمامهم، ويبقونهم في بيوتهم الخاصة، أو في بيوت أبنائهم، وبالأخصّ في حالة الوحدة، إثر غياب شريك/ أو شريكة الحياة. ومن النادر أن نسمع عن ابن عقوق ترك والديه ورذلهم، ولعلّنا نشيد بجهود الاعلام المحلي الذي بات يسلط الضوء على بعض القصص النادرة، لآباء أجلاء قست عليهم الظروف، وتركهم ذووهم وحيدين. لكن، والحق يقال، انّ العزلة في «العمر الثالث» The Third Age كما يُسمّى في الغرب، ليست موجودة بكثرة في بلادنا، والحمدلله. فالمسنّ، وبالأخصّ في قرانا العزيزة، مقدّر ومحاط بكل الوفاء والمحبّة والرعاية والعناية الجيدة.
واليوم، نفتح هذا الباب الانساني، فيما عانت دول أوروبيّة كثيرة في بداية أزمة كورونا بشهر آذار الماضي، حيث غادر العديد من «الشيوخ» والجدود والجدّات هذه الحياة دون أو يودّعهم أحد. وهذا بالطبع مؤلم، بعد نهاية حياة كانت بلا شكّ حافلة بالتعب والتضحية والتفاني في سبيل الأبناء والأحفاد. ومن أكثر الرسوم تأثيرا في هذه الفترة كانت لوحة الفنان المكسيكي Juan Lucena الذي قدم رسما اكراما لارواح الجدود والجدات الراحلين والناظرين خلفهم الى احفادهم خلف الزجاج دون ان يلتقوا للوداع.
لكنّ بلادنا الحبيبة ليست بمنأى عن هذه الأحداث، وهنالك أعداد كبيرة تغادر هذه الحياة، أكثر من العادة، ويسود الصمت في البيوت إزاء الحزن على فراق من كانوا، كما يصفهم البابا فرنسيس، «مجمّع الذاكرة والحكمة والإيمان». والبابا هو الذي رعا، في بداية هذا العام، أول مؤتمر دولي لراعويّة المسنين، بعنوان: «غنى المسنين»، وتمّ التركيز على دور الاجداد في نقل الإيمان لأحفادهم وتربية الصغار والشباب على الإيمان. لذلك، فاننا نوجهها دعوة صارخة: لنحافظ على مسنّينا الأحباء، ولنحطهم بكلّ عواطف المحبّة، فالسنّ المتقدّمة ليست مرضًا، إنّما هي امتياز وبركة من لدن الله الرحيم. ولنصافحهم اذا شئنا في البيوت، بعد أن نغسل أيدينا جيّدا. ولنتجنّب في نشراتنا الاخبارية وفي أحاديثنا اليوم، أن نقول بأنّ المرض يفتك بكبار السن، فهذا وحده يتكفل باثارة الرعب ونوبات الحزن الصامت في نفوس الاحبّة من الجدود والجدّات. رحم الله من غادر منهم ومنهنّ الحياة، وأمدّ الحاضرين بالصحة والعافية والمقدرة على بث كنوز الخبرة والحكمة والايمان العامر في قلوبهم وقلوبهنّ. وعلى قولة فيروز: «ستي يا ستي اشتقتلك يا ستي»!
(الرأي)