"جونو" تعرفون هو الإعصار العنيف الذي ضرب السواحل الشرقية لعمان والخليج العربي مطلع هذا الشهر ، وتراوحت سرعة الرياح وفقا لتقديرات الأرصاد بين 130 -270 كم/ساعة مع أمطار غزيرة الهَطل ، وهو إعصار لم يمر على المنطقة مثله أو بعنفه وخلف دمارا كبيرا .. وقد أغلقت بعض المطارات وارتفع الموج حد فاضت المياه وطفحت في بعض المناطق إلى الشوارع والأحياء عدا عن الفيضانات الناشئة عن مياه الأمطار الغزيرة ذاتها!
وهناك تغيرات مناخية واضحة يلمسها حتى الإنسان العادي بلا مراصد على شكل تغيرات واضحة في اختلاف معدلات الحرارة والبرودة يين الفصول غير ما ألفها طوال حياته .. وفي الظواهر التي يتسم بعضها إما بالعنف والخطورة أو بالغرابة من مثل هطول الثلوج على مناطق كانت حتى الأمطار شحيحة فيها .. وهي تغيرات ربما تنذر بأضرار خطيرة جدا . ومعظمها نواقيس خطر لا تفتأ تدقها الأرض من حين لآخر .
وغني عن القول أنها إن لم تكن بالكامل نتيجة الأضرار البيئية التي تخلفها يد الإنسان من عبث مقصود وغير مقصود فإن لتلك اليد الأثر الأكبر فيها .. ومنها ظاهرة الاحترار القاريglobal warming الناشئة بدورها عما بات يعرف بغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري حيث يصبح الغلاف الجوي بفعلها أشبه بكيس بلاستيكي يغلف الأرض..وكل ذلك أو جله على الأقل تتسبب به المناشط البشرية المختلفة ومن ضمنها الصناعة ومنتجاتها المختلفة ..
ورغم تنبه القوى الكبرى لخطر تلك الظواهر إلا أن التحرك ما زال دون المستوى المطلوب وينحصر فقط في المظاهر الاحتفالية دون أن تكون هناك إجراءات عملية ملموسة وفعالة بحجم الظاهرة .. حتى أن أكبر الدول الصناعية رفضت الاشتراك في اتفاقية "كيوتو" وآثرت أو غلّبت المنافع الاقتصادية على المسألة البيئية..رغم أن الظاهرة البيئية أصبحت ذات توابع اقتصادية .. وانه ليس منصفا ما يذهب إليه بعض الليبراليين الاقتصاديين بأن من يثيرون هذه المسألة هم اناس أبديولوجيون ينطلقون من أفكار معادية للرأسمالية فيضخمون المسألة تضخيما متعمدا كما ذهب لذلك مثلا فاتسلاف كلاوس الرئيس التشيكي في كلمته في معهد كيوتو .. لكن إذا سلمنا جدلا مع أصحاب هذا الرأي أن الإنسان يمكن أن يتأثر بتحيزاته وتحمل أفكاره أيديولوجيا ما .. فهل ظواهر من مثل : تسونامي وجونوا وزلازل شبه القارة الهندية وفي الباكستان واندونيسيا وإيران.. وأعاصير أخرى ضربت أمريكا مثل إعصار كاترينا المدمر .. وفيضانات هائلة حدثت في أماكن كثيرة من العالم كفيضانات رومانيا وكلها في هذا العقد الاخير ، هل هذه كلها بدورها تنطلق من منطلقات أيديولوجية معادية للفكر الاقتصادي الليبرالي بلا حدود أم هي مؤشرات ونواقيس خطر .. نتمنى أن نتفق في هذه المسالة على رأي صواب؟
بل إن الظواهر البيئية لم تعد بدورها مجرد مشكلات تتعلق بالطبيعة ذاتها ولم تعد النظرة لها تقتصر على هذا الجانب .. إذ أن لها جوانبها الاقتصادية الخطيرة .. وقد تنبه لذلك بعض رجال الأعمال فأطلقوا المبادرات بهذا الاتجاه حتى أن رجل أعمال إنجليزي هو ريتشار برايستون خصص جائزة مجزية مقدارها 25 مليون دولار للعالم أو الباحث الذي يسهم بمقترحات وأبحاث تحد من ظاهرة الـ global warming إدراكا واعترافا بالانعكاسات الخطيرة لتلك الظواهر على الفعل الاقتصادي ذاته. وأنها لم تعدد ظواهر تهدد الأمن البيئي فقط بل تهدد الاقتصاد ذاته أيضا بخسائر فادحة ومدمرة.
وعود على بدء إلى جونو .. فالذي لفت انتباهي عدا عن شدته التي لم تألفها منطقتنا العربية حيث التوسط ليس في الموقع الجغرافي فقط بل وفي كل شيء حتى في الطبيعة وظواهرها .. إذ لم تألف منطقتنا مثل هذا العنف الطبيعي.. أقول عدا عن هذه الشدة التي لم نألفها لفت انتباهي أمر آخر هو اسم الإعصار .. متسائلا لماذا لم يكن له اسم عربي : زئير الخليج مثلا او باب المندب أو بحر العرب أو سبأ او مأرب؟ وبينما كانت المنطقة بأسرها تتحسب أعاصير من أنواع أخرى نفاجأ بإعصار مناخي تقع أضراره وتبعاته على المنشآت والناس الطيبين وفي بلد طيب نحبه ..
هذه نواقيس خطر تدقها الأرض لينتبه الإنسان لحجم وتبعات ذلك العبث الذي يمارسه وآثاره المدمرة على الكوكب ومستقبل الحياة عليه..
وإن كانت هذه آثار العبث (الاستبداد) البشري بالطبيعة فهناك عبث واستبداد من نوع آخر يخشى هو الآخر أن تكون له أعاصيره المدمرة لأنه يسبب بدوره احتباسا من نوع آخر في النفوس والطبيعة البشرية لا تلبث طاقته المختزنة أن تنفلت في أي وقت لكن بصور لا ندري كيف تكون ولا كيف تكون تبعاتها.
وإنه من الذكاء والحصافة بمكان أن يأخذ الإنسان هذه الأحداث والظواهر ويحملها على محمل الجد ويدرك جيدا أن الأرض بالفعل تحذره وبشدة، فقد احتملت الكثير ولربما لم يعد بمقدورها احتمال المزيد.وأن يتصرف تجاه الأرض كنظام حيوي له حيله ووسائله الكامنة فيه للدفاع عن نفسه في نهاية المطاف إذا لم يتحمل الإنسان نفسه هذه المسؤولية ويبادر لفعل شيء .
Jeaad@yahoo.com
http://blacksteed.jeeran.com/reform/