ما لاحظناه مؤخرا الأعداد المتزايدة من الإصابات والوفيات بسبب كوفيد 19 والذي من أحد أسباب إنتشاره إستهتار المصابين بالفيروس وخاصة إذا كانت أعراضه خفيفة وغير ظاهره للعيان، وما يقلقنا حقيقة، هو سلوك هذه الفئة من المصابين المسؤولين وعديمي المسؤولية تجاه التعامل مع الإصابة التي تعرضوا لها، فتصرفاتهم أشبه بنافذه جوهاري لتحليل الشخصية، حيث قسم العلماء الشخصية إلى مناطق من خلال نافذة جوهارى، وهي طريقة حديثة للتعرف على الذات وأبعادها، وهذه الأداة تحتوي على أربع أجزاء تسمى الأرباع، ويحتوي كل ربع معلومات حول وعيك الذاتي وكيف يراك الآخرون وكيف تتصرف. وتضمّنت هذه النافذة أربع نماذج خاصة للتعرف على النفس، وهي:
1-المنطقة الحرة أو المفتوحةOpen Area وتتضمن كل شيء يعرفه الفرد عن نفسه وعن الآخرون، أي ما نشترك نحن والآخرون في معرفته عن ذواتنا وتتضمن قيم الفرد، مميزاته، شخصيته، إدراكه، فكلما صَغُرت مساحة الذات المنفتحة، دلّت على ضعف وسوء إتصالنا بالآخرين، وكلما كبُرت منطقة النشاط الحُر إستطعنا أن نعمل سوياً مع الآخرين بسهولة ويسر، وتنساب الأفكار والمشاعر، وتتوحد الجهود، ويجد كل طرف أن من السهل عليه أن يشارك.
فالشخص المصاب يعرف نفسه جيدا ويعرف أنه مصاب، ويعرف كل شيء عن المرض أعراضه وأثاره السلبية، طرق الوقاية والحماية، ويعرف مسافة الأمان المطلوبة لحماية الناس من نقل العدوى، ومن منطلق قيم الفرد وشخصيته وإدراكه، يلتزم بالبروتوكولات الصحية وبالحجر المنزلي وعدم الإختلاط ، وفي حال عرف عن نفسه بعد ظهور الأعراض عليه مخالطته لبعض الأشخاص، أمانته الأخلاقية تحتم عليه إخبارهم بإصابته ليتسنى لهم إجراء الفحوصات والإجراءات اللازمة، هذا المصاب متعاون مع الآخرين، ومرشد ناصح لأهل بيته، وممكن أن يعمل محاضرات توعوية لتجنب الإصابة أو حول التجربة التي مر بها، ويتعاون مع الجهات المعنية ليعرف مصدر الإصابة ويستطيعوا السيطرة عليها أو معرفة البؤر.
وفي حال عدم ظهور أعراض عليه، يكون مستعد لأي مفاجأة، ويستبق الإصابة بعمل فحوصات دورية وتجنب الإختلاط والإلتزام بالقواعد والضوابط وإتباع الإجراءات الصحية السليمة من تعقيم ولبس الكمامه ومسافة الأمان الكافية، وممكن أن يعتذر عن حضور مناسبة والتواجد في التجمعات.
أيضا هذا النوع من المصابين ممكن أن يعلن عن إصابته على مواقع التواصل الإجتماعي ليبلغ الناس الذين تعاملوا معه أن يأخذوا الحيطة والحذر ويتبعوا الإجراءات الصحيحه، وهنا يريد إيصال معلومه مهمه لغيره وخاصه اذا كان من النوع الحريص والملتزم، ألا وهو الإلتزام والحرص وأن الموضوع ليس بمزحه، او يريد الحصول على الدعم المعنوي الذي يجنيه من اللايكات والتعليقات والتي ترفع من معنوياته، فتصبح وطأة الإصابة أخف شدة وألما، أو ليطلب دعوة صادقة بالشفاء من أصدقاء بالعالم الإفتراضي ويلزم بيته، لأن لديه إيمان بأن حجر نفسه هو إمتثال للقواعد والإجراءات الصحية التي تمنع إنتشار الفيروس وتسبب الخطر للناس.
والنوع المغاير لهذه الشخصيه أن يكون الفرد والآخرون يعرفون بالمرض ولكن القيم لديه ضعيفه، ولديه شخصيته أنانية ولا يأبه لأحد، وممكن أن يتسسبب بالأذى للآخرين علانية. يعني هو والآخرون يعرفون أنه مريض، ولا يطبق الإجراءات الصحيه والبروتوكول من حجرمنزلي، ولا يلتزم بأبسط القواعد.
2 ـ المنطقة العمياء Blind Area نحن قد نتحدث بطريقة معينة، أو بلهجة معينة، وعلى وجوهنا تعبير ما لا نراه، ولكن الناس يرونه ويدركونه، وفي واقع الأمر أن سلوكنا يؤثر في كيف يرانا الناس، وبالتالي يؤثر في كيفية تعاملهم معنا. يعني ذلك أني أثناء حديثي مع الناس قد أرسل لهم رسائل غير لفظية، مثل حركات اليد والجلسة وتعابير الوجه، وهذه الرسائل ستجعلهم يرونني بمنظار ما، ويقدرون أمراً ما بخصوصي، وقد يخفى الأمر عليّ لأنني لا أرى ما أفعل.
فهذا الشخص لا يعرف أنه مصاب ولكن الاخرين يعرفوا أنه مصاب من خلال بعض الأعراض التي ظهرت عليه، كملامح وجهه الشاحبه، أو صداع برأسه حين يتكرر ويؤثر على عمله وتوازنه، أو كسله وعدم رغبته ومقدرته بالمشاركة بنشاط ما، وممكن أن أعراض الكورونا واضحه للعيان وهو غير مدرك لها، فهو مغيب نوعا ما، ومصدر خطردون قصد، وممكن أن يتواجد في كل مكان، بالتكسي بالمول بالعمل بالبيت بالشارع، وهنا يأتي دور الآخرين بتفادي الوقوع في مأزق آخر، ويجب تنبيهه لإتخاذ الإجراءات اللازمة من فحص وطرق وقاية وحماية وحجرمنزلي.
3 ـ المنطقة المخفية أو القناع Hidden Area تتضمن ما يعرفه الفرد عن نفسه ولا يُشرك الآخرين في معرفته، أخطاؤنا، أسرارنا، أمنياتنا، نقاط ضعفنا، مخاوفنا.
الشخص المصاب يعرف بإصابته ولم تظهر عليه أعراض كبيرة ويخرج للتسوق والتنزه والعمل وغيره، فالناس لا تعرف أنه مصاب ويتعاملون معه بشكل طبيعي، فهو بذلك لبس قناع وأخفى ما يجب أن يعلنه، وممكن أن يكون عليه أعراض خفيفة ويخفيها بتناول الأدوية، فيذهب للتسوق ويشارك بالإنتخابات ويعمل ويعيش حياته طبيعي.
الأهم من ذلك أنه يعرف أنه مصاب لأنه مخالط، وإن كان عليه أعراض أم لا ولم يفحص ويعيش حياته طبيعي بحجة عدم الفحص، وفي كلا الحالات هو يعرف والناس لا تعرف وقد يتسبب بأذى كبير لهم.
هذه الفئة غير الملتزمة والمستهترة تكون موجوده في الربع الاول والثالث، فالمصاب عندما تظهر عليه أعراض بسيطة لا يأخذ أدويته ولا يلتزم بقواعد السلامه العامه بإتباع البوتوكول الصحي التابع لوزارة الصحه، فيتراجع وضعه الصحي لعدم إلتزامه، ويخالط غيره وأهل بيته، يأكل معهم على نفس الطاولة وبنفس الغرفة، ويستخدم نفس الأغراض التي من الممكن ان تنقل الفيروس لهم.
4 ـ المنطقة غير المعروفة او المجهولة Unknown Area تتضمن المنطقة غير المعروفة الأشياء التي لايعرفها الفرد عن نفسه، ولا الآخرون يعرفون ذلك، وهي ما تفسّر سلوك بعض الأفراد سلوكا لايعرفون مسبباته.
وهنا الشخص المصاب لا يعرف بأنه مصاب ولا الآخرون يعرفون أنه مصاب، وهذه كارثه كبرى حيث يتصرف الجميع وكأن الحياة طبيعية فلا ضوابط ولا قيود، لأن المعرفة بالداء نصف الدواء، وهنا سينتشر الداء بلا دواء.
هؤلاء يشكلون الخطر الأكبر لجهلهم وعدم معرفتهم، فالإختلاط يكون بحجم كبير وقضاء الوقت بالبيت مع الأهل يساعد على نقل الفيروس بسرعه وإنتشاره، وإذا ذهب للعمل والتسوق ودور العبادة ونوادي الرياضه، أي بمعنى أخر أماكن التجمعات، سينتشر الفيروس كالنار في الهشيم.
فالخطر الحقيقي ليس فقط في الأعداد الكبيرة التي سنتقل لها الفيروس، وإنما بتردي وسوء الحالات، ونوعية الاشخاص الذين سيصابون.
والسؤال الأهم المصابين بالكورونا بشكل عام، لماذا لا يوجد نظام لرقابتهم وإلزامهم بالحجر والعزل المنزلي؟ ألا يوجد نظام أو تطبيق يضمن تواجدهم بالمنزل خلال فتره الحجر؟ هل إجراءات الحكومة هي أحد أسباب إنتشار الوباء بهذه السرعه؟ ألا توجد جهه رقابية كفيلة بمتابعة أمور المصابين والسيطرة على الوباء؟
لأن هذه السلوكيات الخاطئة والتصرفات اللامسؤولة من المصابين بعدم إلتزامهم، هي سبب رئيسي لما وصلنا إليه الآن، فلا يمكن بتلك الحرية المطلقة أن نسيطر عالوباء، في حين أثبتت الدراسات أن للحجر الصحي للمصاب دور كبير في التصدي للمرض وتخفيف إنتشاره خاصة في ظل عدم وجود لقاح، فالحجر يحد إنتشار المرض مقارنة مع أي إجراء آخر، بحيث تنخفض العدوى بنسبة من 30-60 % فهو جاء للحفاظ على الصحه العامة، بالإضافة إلى تدابير أخرى وقائية كإغلاق المدارس والمراكز الرياضية وأماكن التجمعات وغيرها على أن لا يستمر الاغلاق لفترة طويلة ويتأثر الاقتصاد والوضع المالي للناس، فالعالم الآن يتجه إلى تخفيف إجراءات الإغلاق للحد من الخسائر، ويجب تقليل عدد الإصابات الجديدة إلى مستوى منخفض جدا يساوي الحد الأدنى لمناعة القطيع، والحد الأدنى هو نسبة الأشخاص الذين يجب أن يحصلوا على مناعة ضد المرض كي يبدأ بالإنحسار، وهو يساوي 67% تقريبا، وهذا معناه أن يكون شخصين من بين ثلاثة أشخاص إكتسبوا مناعة ضد المرض ليتوقف إنتشاره، وفي حال عدم وجود لقاح، يتم إكتساب مناعة عن طريق الإصابة بالفيروس، والطريقة الوحيدة لإحتواءه، هو الإستمرار في إجراءات الوقاية للوصول إلى الحد الأدنى يعني أقل من واحد.
ولمعرفة الفرق بين الحجر الصحي والعزل، فالحجر الصحي هو عزل الأشخاص المخالطين لحالات مؤكدة أو لحالات يحتمل إصابتها بالمرض لفترة زمنية تحدد وفقا لفترة حضانة المرض، وهي الفترة ما بين حدوث العدوى وظهور الأعراض، وقد قدرت ب 14 يوم، أما العزل فهو حجز المرضى الذين ظهرت عليهم الأعراض بالفعل بعيدا عن الأشخاص الأصحاء.
ولكي نحقق ما نسعى إليه وهو الحد من إنتشار الوباء وبناء على ما طرح يكون الحل في محورين:
المحور الأول: المواطن نفسه الاصلاح يبدأ بالنفس، بالرقابة الذاتية، من خلال الإلتزام بالتعليمات الوقائية ولبس الكمامه، والتباعد الاجتماعي وعدم المشاركة بأي مناسبه وتجنب المشاركة بالافراح والأتراح، والتنازل عن العادات والسوكيات المعتادة، كما حصل في قديم الزمان عندما ظهر الطاعون في بلدة عمواس، طلب عمر بن العاص من الناس الإنتشار في الجبال والتباعد وفي فترة قياسية إختفى المرض من الوجود.
يجب أخذ الجائحة على محمل الجد، لأن الحالات من إصابات ووفيات أكبر دليل، وتجنب الإعتماد على الحكومة في توفير اللقاحات والعلاجات المطلوبة، لأن أفضل وسيلة للتخلص من هذه الجائحة هو الحجر والتباعد الإجتماعي.
المحور الثاني: الحكومة عمل برنامج توعية شامل وتعريف الناس بطبيعة المرض ومدى خطورته وكيفية إنتقاله، وإجراء مقابلات مع عدد كبير من المصابين لبيان مدى خطورته والأعراض التي ظهرت على كل مصاب من مختلف الفئات العمرية، وتسخير الإمكانيات المتاحة لإنشاء المستشفيات الميدانية في مختلف مناطق المملكة الرئيسية لتخفيف الضغط على المستشفيات الخاصه والحكومية لضمان إستمرارية الحالات المرضية الأخرى، وبناء جسور الثقه ما بين المجتمع والحكومة بعدم سرد قصص النظريات المختلفة، والشفافيه، والعمل على متابعة المصابين بخلق نظم رقابية متطورة للحد من تنقلهم ونشرهم للمرض.
لا نستطيع إلا أن نقول الله يعين الحكومه والشعب على تحمل هذه الفتره القادمة، يجب أن يؤدي كل منهم دوره على أكمل وجه، فالشعب ملزم بإتباع كل ما يطلبه منه ، والحكومه ملزمة بتسطيح المنحنى الوبائي وإذا كانت الطريقة الوحيده هي الحظر، ومع أني ضد أي قرار يتخذ فيه تقييد لحريات الناس، لكن وقتها يجب عليها توفير أبسط مقومات العيش الكريم للناس الأقل حظا، وإلا فلتضع قوانين أكثر صرامة وتلزم الغير ملتزمين بدفع مبالغ وفرض عقوبات لعل وعسى أن يتغير الحال الى أفضل حال، ونصبح من أواخر تصنيفات الدول بالنسبة لعدد الوفيات والإصابات، فنحن بهذه الحالة لا نريد التفوق ونكتفي بأن نكون من الخاسرين.