المطالع لكثير مما يكتب حول الدور الأردني في هذه الأيام والالتفافات التي يحاول البعض تسويفها إما لغاية في نفسه أو لخوفٍ نابع من عدم قراءة التاريخ الأردني، فهذا الوطن ولد بين حوافٍ وتوليفات مؤدلجة، فكم من أيديولوجيا محيطة بنا تلاشت ، وكم من موقف مضادٍ أو متشفٍ بالوطن عاد صاغراً على ما اقترف بحقه من مشاعر، وكم من أبواق استرسلت في الخارج ضده وعادت إليه تعتذر وتتغنى به! ومن أراد الاستزادة فالتاريخ الأردني مليء بهذه الأمثلة ، وفي كل مفصلٍ وتغير وزلزال يضرب المنطقة، إذ تتداعى القمم ويبقى هو.
وأيضاً، ثمة حديث يسوقه البعض عن أدوار تستثني الأردن، وهنا لا بد أن نتوقف قليلاً.. فكيف تستثنى دولة ما زالت لليوم هي الوحيدة في المنطقة تملك مادتها المتناغمة مع حضورها؟ ومع شرعية المنطقة التاريخية وإرثها؟
واذا كان العقد الأخير قد أنتج مفهوم 'الدولة العميقة' فإنه لا يكاد ينطبق اليوم على دولة بقدر ما ينطبق على الأردن ونظامه السياسي، وليس بالمفهوم المؤسساتي وحسب، بل بالمفهوم المنحوت من الناس والشعب.
فالأردن وشرعيته عميق في نفوس الأردنيين، قولاً وفعلاً، والتجارب في التاريخ شاهدة على ذلك، والأردن وما زال مستودع ' الذاكرة' يغذي النشء ويصوغ القيم لدى أجيال الأردنيين.
على أية حال، إن ما يجري اليوم في المنطقة ليس أصعب من ظروف مرت فمن بين أوراق التاريخ، كانت حادثة استشهاد الملك المؤسس (1951م) محل تشفي بعض الأشقاء آنذاك، وقد وصلت إلى عمان وفود عربية تبحث ضم الأردن، وأيضاً وفي ذات العقد تعرض الأردن لحصار ما زالت شواهد مذكرات سياسيه تصف الظلم الذي وقع على الأردن، وكيف أغلقت حدوده من 'مؤدلج' و ' مستعرب' وغيرها، وذهبوا وبقي الأردن.
وفي ستينات القرن الماضي جرت معركة ' الإذاعات' الأردن لمعركة خسر فيها أرض الضفة الغربية، وتبعها أحداث يعلمها الجميع وبقي الأردن.
وعقد السبعينات لليوم شاهد على انتهاء الربيع الأردني، ووضعه خلف ظهره، من لحظة دخول المرحوم عبدالحميد شرف على السجناء اليساريين وإيصاله سلام الحسين إليهم، ليتبعها إطلاق سراحهم.
وعقد الثمانينات أيضاً، لم يكن بالسهل على الأردن الذي راهن على عروبته لجانب العراق، ودفع الثمن، وعاد البعض يندب على ما كان.. !
كثيرة هي الأحداث التي مرت على وطننا، ولربما يصدق فيها وصف مذكرات سفير بريطانيا في عمان بين اعوام (1956 - 1960) بأن 'الأردن على الحافة'... نعم هذا الوطن ولد على حافةٍ حادةٍ ليبقى شاهداً على تدحرج كثيرين من حوله .. أفكاراً وأنظمة وأيديولوجيات، فالاردن وجد ليبقى...