الاقتراب السياسي , و العسكري الروسي عالميا ليس هو الاول في اقليم ( ناغورني كاراباخ ) في عهد الرئيس بوتين , وهو المتنازع عليه بين ارمينيا و اذربيجان منذ انهيار الاتحاد السوفييتي 1991 , بينما هي جذوره التاريخية وسط اذربيجان .
وارتباطه بأرمينيا تعود لعام 1923 عندما قرر الزعيم السوفييتي من اصل جورجي جوزيف ستالين اخضاعه لأرمينيا بسبب الحضور الارمني فيه . و الارمن بالمناسبة مسيحيون ارثوذكس بالمقارنة مع الاذريين المسلمين الشيعة في الغالب . وتكررت الحالة في التاريخ السوفييتي الى الامام عام 1954 عندما اقدم الزعيم السوفييتي الاخر نيكيتا خرتشوف بضم اقليم ( القرم ) , الروسي تاريخيا منذ عهد القياصرة , حيث ضمت الامبراطورة كاترين الثانية القرم عام 1783 بعد الانتصار الروسي في الحرب مع الدولة العثمانية , وبحكم تواجد اسطول البحر الاسود فيه , الى اوكرانيا بسبب الحدود البرية , و للتوجه وقتها لشق قناة مائية تم ردمها بعد ذلك . بينما لازالت اوكرانيا الغربية ( كييف) تعتبره تابعا لاوكرانيا تاريخيا , ومحتلا روسيا . وعملت روسيا على اعادته اليها بقوة صناديق الاقتراع ,و بنسبة 95% من اصوات الاقليم , بعد سقوط نظام فيكتور يونوكوفيج الموالي لموسكو , و صعود نظام بيترو باراشينكا المناهض لروسيا ,الى جانب منهاضة التيار البنديري المتطرف لها عام 1914 حتى يومنا هذا, رغم عدم ممانعة روسيا للتحالف الاوكراني مع الاتحاد الاوروبي , فجاءت معاهدة ( مينسك ) لضبط الخلاف الاوكراني شرقا و غربا , ومع روسيا .
وسبق لروسيا ان دخلت الى سوريا ايضا عام 2015 بدعوة من نظام دمشق لمساعدتها في مطاردة الارهاب الذي غزاها من 80 دولة , و لضبط الامن في ديارها بعدما عجزت عن ذلك بالاعتماد على ذاتها . وحققت رغبتها بالتصدي للحرب الباردة التي يرفض الغرب الامريكي ايقافها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية ( 1945) بما في ذلك سباق التسلح . و رغبت سوريا باظهار عدم حاجتها لتدخل امريكي عسكري تحديدا من دون دعوة . و لايصال رسالة لتركيا بأن دورها في الازمة السورية الدموية ليس بريئا منذ تاريخ اندلاعها عام 2011 , و شكلت حدودها مع سوريا معبرا لدخول فصائل تنظيم القاعدة الارهابي مثل ( النصرة , و احرار الشام , و صقور الشام , و داعش ) بحجة اسناد المعارضة السورية , و الشعب السوري . وكلنا شاهدنا سوء تصرف النظام التركي مع الاكراد من خلال مطاردتهم و التصادم معهم في الادغال , بدلا من محاورتهم و اشراكهم سياسيا في الحكم , واتهامه بالارهاب . و اقف الافراج عن زعيمهم عبد الله اوجلان . ونجحت روسيا في استقطاب امريكا و مجلس الامن لتفكيك ترسانة الجيش العربي السوري الكيميائية التي شكلت خطرا على المنطقة في ذروة الازمة , و هو الامر الذي عجزت عنه امريكا لوحدها بسبب عدم الانسجام السياسي , و لانحيازها المطلق لاسرائيل . وحققت روسيا تقدما ملحوظا الى جانب امريكا , و الاردن , و تركيا في مناطق خفض التصعيد جنوبا و شمالا لضمان اعادة اللاجيء السوري الى وطنه طوعا .
و الى الداخل الليبي وضعت موسكو عينها على الجنرال حفتر خليفة قائد الجيش الوطني الليبي الموالي لها , و العاشق لسلاحها , و راهنت عليه خليفة لمعمر القذافي منذعام 2016 , ووضعت ملف القضية بيد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير خارجيتها . ولم تعادي فايز سراج و حكومته الشرعية في طرابلس , وحاورتهما معا . ولم تتدخل عندما توجه حلف الناتو عام 2011 بقصف (البريقة ) شرق ليبيا ومن ثم ( طرابلس ) , و تسبب في إعدام القذافي , لكنها ادانت طريقة الاعدام البشعة . و لم تتدخل روسيا إبان إجتياح ( الناتو ) للعراق قبل ذلك , وتسببه في إعدام الشهيد صدام حسين عام 2003 . و لم تستخدم ( الفيتو ) في العراق و ليبيا لصد هجوم حلف الاطلسي . واكتفت بتمرير رسائل الرئيس بوتين السياسية عبر رئيس وزرائه يفغيني بريماكوف للقيادة العراقية ممثلة بصدام و طارق عزيز وزير خارجيته انذاك .
ووسط ازمة الخليج التي اندلعت عام 2017 و استمرت حتى عام 2020 لاسباب ذات علاقة بقرارات مجلس التعاون الخليجي . وقفت روسيا على مسافة واحدة مع كافة الاطراف الخليجية معلنة عبر وزير خارجيتها القدير سيرجي لافروف التوسط لايجاد حلول وسط عادلة للجميع . وحتى في عمق العهد السوفييتي عام 1979 قررت روسيا السوفيتية الوصول الى افغانستان بدعوة من الانقلابي نور محمد تراقي الموالي لهم , و إسناد بابرك كارمل و نجيب الله و حزب الشعب الديمقراطي . وهدف وجودها وقتها الى مواجهة الحضور الامريكي و الحرب الباردة و ارتفاع سعيرها وقتها . ولاحظت روسيا السوفيتية بعد ذلك بأن مغادرتها عام 1989 و المجموعة السوفيتية افغانستان افضل من البقاء فيه بعد خسارة بشرية عسكرية فادحة على يد حركة طالبان المقاومة , قاربت 15 الف قتيلا مقاتلا . , وفي اليمن عام 2018 إختارت روسيا الحياد بين سلطة عبد الهادي عبد ربه و بين الحوثيين , و ادانت عاصفة الحزم , ولم تساند الانقلاب , و استخدمت ( الفيتو ) ضد نقل السلاح لليمن , و رفضت إدانة إيران لنفس السبب , ووقفت الى جانب صناديق الاقتراع . وحول موقف روسيا من تجارب كوريا الشمالية النووية عام 2019 , وحتى منذ العهد السوفييتي تشابه مع موقف روسيا من مشروع ايران النووي الذي تخافه إسرائيل و امريكا قبل العالم . و تعاملت معهما عبر التفاوض و الحوار , و ليس بواسطة الصدام الامريكي الملاحظ . و اينما تكون امريكا تكون روسيا قبل او بعد , وسياسة الند للند ماثلة لا تتغير .
و عودة على موضوع ازمة ( غورني كاراباخ) الارمني وسط اذربيجان , فأن التدخل السياسي و العسكري هذه المرة قبل أن يشارف العام الحالي 2020 على الرحيل , اختلف و بوضوح عن زمن تشكيل لجنة سلام دولية سابقا شاركت بها روسيا الى جانب امريكا , و فرنسا , و سميت بمجموعة ( مينسك ) قبل ثلاثين عاما , ولم تستطع تحقيق السلام الارمني - الاذري المنشود وقتها . و الواضح هنا هو بأن موسكو قلقة على مصير جيرانها الارمن و الاذريين , ولكي لا تستمر الحرب بينهما , وهي التي انتهت الى سلام كما هو متوقع .و التاريخ شاهد عيان على حروب اكبر انتهت بمعاهدة سلام مثل الحرب العالمية الاولى 1919 في فرنسا , و الحرب العالمية الثانية 1951 في سان فرانسيسكو بأمريكا . و سبق للحرب الارمنية - الاذرية اندلعت عامي 19921994 , و تجددت عام 2016 , و ظهرت من جديد هذا العام 2020 . و الان اظهرت ان روسيا حيادا بين ارمينيا و اذربيجان اكثر من اي وقت مضى , و ادخلت جيشها الاحمر الى غورني كاراباخ كقوة حفظ سلام , في وقت كانت تملك اتفاقا دفاعيا مع ارمينيا , و قاعدة عسكرية . ووقفت تركيا عسكريا في المقابل مع اذربيجان . واصبح الجيش الروسي يتمترس على خط التماس الارمني الاذري داخل إقليم كاراباخ , وحسب معاهدة السلام الجديدة يحق للجيش الروسي البقاء في الاقليم لمدة خمسة سنوات اعتبارا من هذا العام 2020.
وفي الختام هنا ابارك لروسيا الاتحادية جهدها في معاهدة السلام الارمنية الاذرية , و ابارك السلام لكل من ارمينيا و اذربيجان . وادعو روسيا بوتين و امريكا جو بايدن في المقابل لنقل ملف القضية الفلسطينية الى مجلس الامن لتجد حلا عادلا ناجعا ايضا . وهي القضية الوحيدة العادلة على وجه الارض , ووسط منطقة ساخنة شرق اوسطية التي بقيت من دون حل .وان اوان ان تقوم الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ,مع ضمانة حق العودة و التعويض , و تجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية فوق الاراضي العربية , ونعم لبقاء الجولان - الهضبة العربية السورية خارج مشروع الاسرلة ( الاسرائيلية- الامريكية ), وخارج صفقة القرن المشئومة . ونعم للوحدة العربية و للاتفاف حول فلسطين و قضيتها العادلة.