عندما نتصفح أوراق التاريخ ونتتبع مراحل الأوبئة ومسارها ونهايتها لكي نحصل على تفسير لما نمر عليه اليوم من ضمن مراحل هذا الوباء الذي أثقل علينا وغير مسار الحياة ومع أنني أجزم أن العالم بعد كورونا لن يعود كما كان قبل كورونا على الأغلب فقد ظهر للعيان أن هناك قطاعات مهمة مثل السياحة والنقل والعقارات وغيرها بدت ضعيفة ومتهالكة وهشة ولم يصمد في هذه المعركة إلا القطاعات التي تعتبر موروث قديم لما قبل النقلة البشرية الأخيرة مثل الزراعة والصناعة الغذائية والتكميلية المساندة ولم يصمد إلا الاتصالات من القطاعات الحديثة ولا بد أن نلاحظ أيضا الصدام المباشر بين السلوكيات الاجتماعية والدينية مع متغيرات الوباء وأعتقد أن التباعد الجسدي والاتصال عن بعد وتحقيق العبادات بشكل تدريجي وبعيدا عن التجمعات سيستمر كسلوك لما بعد كورونا.
ولكن الوباء العظيم ليس كورونا، بل سلوك القطيع المذعور خلال الأزمات وهنا تستوقفني كم الإشاعات التي يتم بثها يوميا بشكل يبعث الرعب والتشكيك والذعر ولا أعلم ماذا يستفيد من خلفها سوى زيادة المتابعات على صفحات التواصل الاجتماعي وما اسميه إعلام باب الدكان وهنا للتوضيح اذكر جيل ما قبل التسعينيات بتلك المجموعة التي كانت تجلس على أبواب الدكاكين تعمل على نشر الإشاعات والافتراضات ووضع البهارات على الأخبار وذلك بحثا عن الاهتمام.
الوباء العظيم عندما تتفق مجموعة معارضة للحكومة على تسويق معلومات مغلوطة من باب الانتقام لا أكثر وتقزيم كل جهد تقدمه الحكومة وتعطيل أي عمل للحكومة ونشر الإحباط في قلوب كل العاملين في كافة القطاعات وهذا مع الوقت سيصنع روح سلبية وحالة من الكآبة العامة وتعثر في الإنجاز.
الوباء العظيم عندما نروج التضليل ونطبل للمشككين ونفرد منابرنا لمراهقي السياسة والسوشال ميديا ونحاول أن نشتت الجهود ونجعل العمل مستحيلا أمام فرق العمل الرسمي دون أن نقدر كم الجهد الملقى على كاهل أبناءنا في القطاع الصحي والقوات المسلحة والأمن العام وكافة المؤسسات التي تجاهد وتكابد من أجل الوصول إلى بر الأمان.
إن كافة الديانات والقوانين والدساتير ترفض وجود المضلل وناشر الفساد حتى أنه في ديننا الحنيف يصنف من المفسدين كما هو في قول الله تعالى (((ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون))) وأنهم والله مفسدين في الأرض عندما يروجوا للناس أن أمر الوباء كذب ومؤامرة وجر الناس نحو الرفض وعدم الالتزام وهذا هو البلاء والوباء العظيم وهذه الفئة وحتى أن كانت تدعي الإعلام يجب تغليظ العقوبة عليها ووضعها عند حدها رحمة في البشر .
إذا كان وباء كورتا يقتل البعض فإن وباء التضليل والعبث والفتنة والاستعراض سيقتلنا جميعا وهنا علينا التصدي للوباء العظيم قبل الوباء الفيروسي.