كنا قبل كورونا نسمع خبر أمواتنا بين الفينة والأخرى ونقوم بحق الميت بالصلاة عليه والسير في جنازته وتقديم العزاء لذويه، نتنقل بين شمال البلاد وجنوبها، شرقها وغربها، قبائلها وعائلاتها.
أما اليوم فإن الأموات يرحلون بصمت وحظر لا بيوت عزاء ولا أطعمة، يرحلون دون تكليف ولا بهارج ولا اعلانات صحف. يرحلون تاركيننا ننتظر مصيرنا في هذا الوباء نمسي ولا ندري هل نصبح ؟! نتذوق وصية الرسول ص ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. نعم رحلوا ويرحلون ووصلنا إلى مرحلة أننا لا نشارك في الجنائز وصلواتها خوفا" من العدوى والوباء حرصا" منا على أنفسنا وعلى غيرنا.
رحلوا ويرحلون تاركين لنا هذه الدنيا اللعينة التي لم نعد نتذوق فيها لقمة العيش بل نعيش الطعام بغصة الموت اليومي ، يرحلون آخذين معهم ذكرياتنا وأيامها التي عشنا معهم : الوالدان في البيت ، الجيران في الجيرة ، الزملاء في العمل ، العلماء المغادرون بعلمهم ومواقفهم.
رحلوا وتركوننا ننتظر مصيرنا المحتوم في غُلب سياسي واقتصادي واجتماعي وحضاري . يا أيها الراحلون بصمت سنبقى نجاهد كورونا الفيروس وكورونا الفساد وكورونا الظلم وكورونا الاستبداد وكورونا الاستزلام وكورونا المحاربين لأمتنا المتطاولين على حضارتنا ورموزنا.
ارقدوا أيها الراحلون فأنتم السابقون ونحن اللاحقون وكل ما نرجوه لكم الرحمة ولنا الثبات والصبر والموت موت النخيل رؤوسنا مرفوعة.