حالات كورونا في ازدياد كبير ومتسارع والتصريحات الحكومية في تخبّط وتشتت، فتارة يبشّرنا الوزير الفلانيّ بأنّ الوضع الوبائي تحت السيطرة، وتارة أخرى يخرج مسؤول كبير ليزف خبر يفيد بأنّ الامور بدأت تخرج عن السيطرة!

ليصل المواطن في النهاية إلى قناعة أكيدة مفادها بأنّ خطة السيطرة قد ازداد طبّاخوها و فسدت بلا شك، فمثلا قرار علاج مرضى الوباء في جميع مستشفيات المملكة ووضعها جميعا تحت الامر الواقع ما هو الا جريمة في حق المرضى الآخرين، فمن يتحمّل وِزر مريض القلب عندما يفقد حياته جراء العدوى الذي اكتسبها من القسم المجاور له والذي قررت الحكومة علاج مرضى الكورونا فيه؟

حتى الاطفال حديثي الولادة لن يسلموا من هذا القرار، خطأ الحكومة الكبير في التأخر بإقامة المستشفيات الميدانية لا يُعالج بخلط الحابل بالنابل، فمستشفيات ميدانية في كل مدينة ستكون كفيلة بإبقاء مرضى المستشفيات في حالة أمان نسبية بعيدا عن الخوف من العدوى، أتفهم جدا الحالة الاقتصادية في الاردن و التي تحكم جميع القرارات وتقيّدها ولكن بشكل عام قرارات بسيطة لو اتخذت كانت ستكون كفيلة لابقاء الامور تحت السيطرة، فمثلا ما الفائدة من اقامة الانتخابات النيابية في موعدها و نحن نقبع تحت رحمة الوباء العالمي !

و يا لسخف القدر نحن في الاردن نتأخر في اقامة المستشفيات الضرورية، نتقاعس في اتخاذ القرارات الهامّة، نؤجّل دعم القطاعات المتهالكة و التي تلفظ أنفاسها الاخيرة، لكن بالديموقراطية نُعطي دروسا في الانظباط ونجري انتخابات في موعدها لتصبح لاحقا بطرق تعبيرها العنيفة اضحوكة في العالم اجمع، تجمّعات بالمئات، انفلات أمني في المقرّات، واستخدام اسلحة ناريّة لا تدل على نسب فقر كبيرة بل تؤكد بأنّ فقرنا هو ليس ماليا بل علميا، فالجهل والتخلّف استوطن بعض العقول وتربّع بها، لتصبح رؤية العاقل في موطني اعجوبة أو حدث خارق للطبيعة.

على الحكومة أن تعي بأننا نتجه الى الهاوية وعليها تدارك الموقف في اسرع وقت، الحظر الشامل ضروري لكن تأمين عمّال المياومة والقطاعات المتضررة قبلها امر أشد ضرورة، الرقابة على شركات الاتصالات و مراجعة قراراتها والتي خلّفت طوابيرا طويلة من المواطنين امامها لتصبح فروعا بؤر لتوزيع المرض، ولما هذه الازدحامات؟

لتجديد اشتراك يسمح بتلقي المكالمات بعد أن قررت هذه الشركات بأنانية مطلقة فصل الخطوط بعد يوم واحد من إنتهاء صلاحية الرصيد لا تلوموا المواطن المتسمّر أمام الشركة لتجديد اشتراكه فالهاتف اصبح نافذته وبوابته الوحيدة للتواصل والاطمئنان عن اقاربه ومحيطه في ظل انقطاع و تباعد مطلوب.

نحن في الاردن ازمتنا الحقيقية و الكبيرة لا تتمثّل في سوء الوضع الاقتصادي ولا في مستويات البطالة القياسية بل تكمن في عدم دراسة القرارت بشكل منطقي او في قالب ينفع للاردن حصرا، فالدراسات الاوروبية لا تصلح دائما للتطبيق في الاردن، والتوصيات الامريكية قد تفيد هناك لكن في الغالب ستربكنا هنا.

وبالعودة الى المواطن، اما آن الوقت لأن نرتقي بوعينا و مسؤوليتنا !

حتى جلالة الملك حثّنا على ضرورة الالتزام بلبس الكمامة لأنّ لهذه الساعة الكمامة هي طريقة الوقاية الكبيرة في ظل لقاحات لا يُعلم آثارها الجانبية بعد، نحن نرتدي الكمامة إن رأينا المخالفة تقترب منّا و ما إن تبتعد حتى نبعدها عنّا، ولا نأخذ العِبرة باخبار الوفيات التي تكتسح الشارع كل يوم.

هذا الوباء كشف المستوى الفكري وحتى الاخلاقي لنا، واعطانا تقريبا الحقيقة غير مُجمّلة عن واقعنا، فحتى قراراتنا في الاردن باتت تعكس ثقافتنا ومستوى الوعي الذي نتمتع به.