المحاذير القانونية لتناقل الإشاعات في وسائل التواصل الاجتماعي
د. أشرف الراعي
18-11-2020 05:11 PM
إن التطور والتقدم الإلكتروني اللافت سواء لجهة التطبيقات الإلكترونية أو المواقع الإلكترونية أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي، أسهم في التأثير بصورة كبيرة بسلوك الأفراد وتوجهاتهم، ومعاملاتهم، وهو ما انعكس حتماً على وسائل الإعلام محلياً وعربياً وعالمياً، الأمر الذي انتقل بالمفهوم التقليدي من الصحافي إلى "المواطن الصحافي"؛ الذي أصبح اليوم ناقلاً للخبر باستخدام الوسائل التي يمتلكها بيده، وأصبحت مختزلة جميعها في هاتفه الذكي.
إذن، انتقل المواطن من متلقٍ إلى مساهم في صناعة الخبر وتحليله، وهو ما انعكس حتما على جميع وسائل الإعلام التي بدأت بالتحول نحو شبكة الإنترنت الأكثر والأوسع انتشاراً، مع تراجع واضح في الوسائل التقليدية، كالصحف الورقية، والتلفزيونات والإذاعات، وهو ما شكل تحولاً جذرياً في آليات بث الخبر أيضاً، لذلك قامت تلك المؤسسات بإعادة صياغة الآليات التي يبث من خلالها الخبر؛ فمنها من نجحت ومنها من تراجعت وتآكلت لا بل واندثرت !
في ظل هذا التطور الملفت للتكنولوجيا؛ توقفت في الولايات المتحدة العديد من المجلات والصحف عن الصدور ورقياً، وتحولت إلى شبكة الإنترنت وخصوصاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومن أبرزها مجلة "يو أس آند ريبورت" وكذلك مجلة "نيوزويك" الأسبوعية الشهيرة، فضلاً عن مجلة "كريستيان ساينس مونيتور"، وفي لندن حذت مجلة "ذي لندن بيبر" حذو سابقاتها، وفي فرنسا أيضاً تحولت مجلة "فرانس سوار" إلى الشبكة العنكبوتية، والقائمة تطول في هذا المجال.
التطور الكبير في هذا المجال، ربما يكون قد شهد ذروته مع ما نشهده اليوم في ظل جائحة كورونا التي غيرت من مفاهيم عدة وسمحت بزيادة مساحات الاتصال عبر العالم الافتراضي، لكن هذا العالم اليوم وبسبب هذه الطفرة التكنولوجية قد يصبح منفلتاً من عقال القانون، بما يشكل خروجاً على قواعد القانون فيسمح بتدمير المؤسسات، وهو ما يستدعي من المشرع الجزائي الأردني التدخل بصورة مدروسة لاستيعاب التطورات من جهة، والنص على عقوبات صارمة لمن يخترق القواعد القانونية في المجال الإلكتروني من جهة أخرى، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم بيئة خصبة لتناقل الإشاعات المدمرة، والمقالات المغرضة.
أما المشكلة الأخرى التي باتت متفاقمة اليوم ليس هو ضعف النصوص القانونية فقط، وعدم وجود عقوبات رادعة لتناقل الإشاعات، وإنما في الجهل الذي كان يشهده الصحافيون بالقوانين، والذي انتقل اليوم إلى المواطن؛ فجهل المواطن بخطورة نقل الإشاعات والتكييف الجزائي لها أسهم أيضا في تغذية هذا النوع من الجرائم.
لن أدخل في عمق النصوص التشريعية، حتى يبقى هذا المقال المقتضب بمثابة، لفت انتباه أو دق لناقوس الخطر من الإشاعة المدمرة التي إن سرت في مجتمع انهكته فخارت قواه، من دون أن نغفل طبعاً أهمية التقدم والتطور التكنولوجي الذي يشهده العالم؛ لكن المسؤولية في هذا الوقت كبيرة، خصوصاً مع سهولة الحصول على المعلومة ونقلها من دون رقابة أو حتى معرفة.
كما لا بد من الإشارة إلى أن العقوبات المقررة على تناقل الإشاعات (التي لم يرد النص عليها بشكل صريح في قانون العقوبات) لا تطبق بموجب قانون الجرائم الإلكترونية وإنما بموجب قانون العقوبات ووفقا للعديد من النصوص القانونية، وبحسب الحالة التي تعيشها الدولة وظروف الجريمة، لذلك لا بد اليوم من رؤية واستراتيجية طويلة الأمد تركز على الجانب التشريعي والاخلاقي في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، التي بات تناقل المعلومة وارتكاب جرائم الذم والقدح من خلالها مبالغاً فيه من دون أن يلتفت لذلك أحد.