الكثير منا عند سماع كلمة التنمر نفكر بالأطفال والتنمر الذي يقع عليهم في المدارس ونعتقد ان التنمر ينحصر فقط في هذه الفئة ويحدث فقط في المدارس. التنمر كلمة اشمل من هذا المعنى ويحدث في أماكن كثيرة ومع مختلف الفئات العمرية. هذا النوع من التنمر لا يتحدث العديد عنه في مجتمعاتنا العربية بالرغم من انه يحدث يوميا في مكان العمل. فهناك تنمر في المؤسسات التعليمية كالجامعات، وفي الوزارات، وفي جميع مؤسسات العمل الحكومية والخاصة.
قبل أن نعرف ما هو التنمر في مكان العمل؟ سنُعَرف معنى كلمة التنمر لغويا واصطلاحا؟
كلمة التنمر لغوياً: بناء على معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، ان كلمة تنمر يعود تاريخها في اللغة العربية الى السنة السابعة قبل الهجرة، ومعنى "تنمر الشخص: استشد واستشرست اخلاقة". اي ان الكلمة ليست دخيلة على العربية. وفي معجم المعاني الجامع كلمة تنمر لغويا تعود للفعل نَمِرَ، نَمِرَ الشخص: غضب وساء خلقه وصار كالنمر الغاضب.
اما اصطلاحا: فالتنمر هو سلوك عدواني متكرر يهدف الى تعمد تسبب الضرر بالاخرين اما جسديا او نفسياً ويتمثل ذلك في تقليل شأن الاخرين، نشر الشائعات، ، التعدي على الاخرين بالقول او الفعل، واقصاء المتنمر عليه من المجموعات او فريق العمل. مما يمنح المتنمر سلطة على حساب الاخرين بهدف لفت الانتباه او الغيرة.
التنمر في مكان العمل:
التنمر في مكان العمل هو سلوك ضار ومستهدف يحدث في العمل. قد يكون سلوك حقد أو أساءه أو سخرية أو تهديد. ويشكل نمطًا موجهًا إلى شخص واحد أو عدد قليل من الأشخاص. النقد أو المراقبة ليست دائمًا تنمرًا. على سبيل المثال، النقد الموضوعي والبناء والإجراءات التأديبية المرتبطة مباشرة بالسلوك في مكان العمل أو الأداء الوظيفي لا تعتبر تنمرًا. بينما النقد الذي يهدف إلى تخويف أو إذلال أو عزل أي شخص دون سبب يعتبر تنمرًا. وفقًا لجمعية التنمر في مكان العمل Workplace Bullying Institute، فإن أكثر من 60 مليون عامل في الولايات المتحدة الامريكية يتأثرون بالتنمر. بالرغم من أن القوانين الفيدرالية الحالية في اميركا تحمي العمال فقط من التنمر عندما ينطوي على ضرر جسدي أو عندما ينتمي المتنمر عليه (الضحية) إلى مجموعة محمية، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة أو الأشخاص ملونين البشرة (people of color). لكن في مؤسسات عملهم يوجد لوائح وقوانين للتعامل مع المتنمرين لكن في مؤسساتنا العربية لوائحنا وقوانيننا خالية من أي بنود للتعامل مع المتنمرين.
معظم أنواع التنمر الظاهرة على الافراد هي التنمر الجسدي. لكن يجب ان لا نغفل أنه نظرًا لأن التنمر غالبًا ما يكون لفظيًا أو نفسيًا بطبيعته، فقد لا يكون دائمًا مرئيًا للآخرين. هناك أنواع متعددة من التنمر في مكان العمل وفي هذا المقال سنركز على سلوكيات المتنمر وفي مقال اخر سنتحدث عن أنواع التنمر.
قد تكون سلوكيات التنمر:
1. شفهية: يمكن أن يشمل ذلك السخرية أو الإذلال أو النكات أو النميمة والاشاعات أو غيرها من الإساءات المنطوقة.
2. التهديد: ترهيب، وتخويف الشخص. قد يشمل ذلك التهديدات أو الإقصاء الاجتماعي في مكان العمل أو التجسس أو غير ذلك من أشكال انتهاك الخصوصية.
3. انتقامية: في بعض الحالات، قد يؤدي التبليغ عن المتنمر إلى اتهامات الضحية بالكذب أو مزيد من الاستبداد عليه أو رفض الترقيات أو أي أعمال انتقامية أخرى.
4. الأمور المتعلقة بأداء العمل: وتشمل اللوم غير المشروع أو تخريب العمل أو التدخل أو سرقة الأفكار أو الحصول على الفضل فيها.
5. مؤسسية: يحدث التنمر المؤسسي عندما يقبل مكان العمل والإدارات العليا في العمل التنمر ويسمح به بل ويشجعه. ولا يعاقب المتنمر بل يقوم المتنفذين في الادارات العليا في حماية المتنمر لاهداف شخصية. وقد يتضمن هذا التنمر أهدافًا إنتاجية غير واقعية، أو إجبار على العمل الإضافي ، أو تحديد أولئك الذين لا يستطيعون المواكبة.
من الذي يتعرض للتنمر ومن يقوم بالتنمر؟
وفقًا لبحث جمعية التنمر في مكان العمل Workplace Bullying عام 2019 أنه يمكن لأي شخص أن يتنمر على الآخرين. حيث وجدت الدراسة أن حوالي 70 بالمائة من المتنمرين هم من الذكور، وحوالي 30 بالمائة من الإناث. من المرجح أن يستهدف المتنمرون من الذكور والإناث النساء.
61 بالمائة من التنمر يأتي من الرؤساء أو المشرفين. و33 في المئة تأتي من زملاء العمل. تحدث نسبة الـ 6 في المئة المتبقية عندما يتنمر الأشخاص في مستويات التوظيف المنخفضة على المشرفين عليهم أو غيرهم ممن فوقهم. ووجدت الدراسة أن التنمر قد يحدث من المديرين بسبب إساءة استخدام السلطة، بما في ذلك مراجعات الأداء السلبية غير المبررة، أو الصراخ أو التهديد بالفصل من العمل أو خفض الرتبة ، أو رفض الإجازة أو النقل إلى قسم آخر، او سرقة عمل الضحية او التخريب عليه.
وفقًا لنفس الدراسة 2019 من جمعية Workplace Bullying Institute، يعتقد الناس أن هدف المتنمر كان أكثر ميلًا إلى الافراد ألذين يكونوا طيبين وعطوفين ومتعاونين ومقبولين ومتميزين في العمل. وبالإشارة الى بيئات العمل التي يحدث التنمر فيها بشكل متكرر أكدت الدراسة أن تلك البيئات تتصف بأنها بيئات عمل مرهقة أو تتغير بشكل متكرر، وتفرض أعباء عمل ثقيلة على الموظفين، و لديها سياسات غير واضحة حول سلوك رؤساء العمل والمسؤولين، ولديها ضعف التواصل والعلاقات مع الموظفين. إضافة الى ان لديها العديد من الموظفين الذين يشعرون بالملل أو القلق بشأن الأمن الوظيفي. لديها الكثير من الموظفين الذين يشعرون بالظلم وعدم تحقيق العدالة في مكان العمل. وبيئة تتصف بالفساد الاداري والبعد عن النزاهة والشفافية.
كيف يمكن أن يؤثر التنمر على صحتك؟
يمكن أن يكون للتنمر آثار خطيرة على الصحة البدنية والعقلية.
في حين أن ترك الوظيفة أو تغيير الأقسام يمكن أن ينهي البلطجة، فهذا ليس ممكنًا دائمًا. حتى عندما يمكنك إخراج نفسك من بيئة التنمر، يمكن أن يستمر تأثير التنمر لفترة طويلة بعد توقف التنمر.
ومن اثار التنمر على الصحة البدنية: الشعور بالغثيان أو القلق قبل العمل أو عند التفكير في العمل، أعراض جسدية، مثل مشاكل في الجهاز الهضمي أو ارتفاع ضغط الدم، مخاطر أعلى للإصابة بمرض السكري، صعوبة في الاستيقاظ أو الحصول على نوم جيد، أعراض جسدية اخرى، مثل الصداع وانخفاض الشهية.
اما الآثار النفسية للتنمر فهي: التفكير والقلق بشأن العمل باستمرار، حتى أثناء الإجازة، الخوف من العمل والرغبة في البقاء في المنزل، الحاجة إلى إجازة للتعافي من الإجهاد، فقدان الاهتمام بالأشياء التي يحب القيام بها عادة، زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، أفكار انتحارية، احترام الذات متدني.
كما اشرت سابقا ان مؤسساتنا العربية بكل أنواعها يجب ان تتبنى استراتيجية لوقاية العاملين فيها من التنمر والعمل بكل نزاهة وشفافية ووضع معايير واضحة لرؤساء الاقسام والمشرفين والعاملين في المراكز العليا لاحلال العدل دون تحيز للاشخاص وان تكون المصلحة العامة للمؤسسة هي في المقام الاول لان المؤسسات هي ليست مؤسسات افراد!!!
هذه الافراد ستترك المؤسسات في يوم من الايام وستبقى السمعة السيئة للمؤسسة ليس فقط للفرد المتنمر. هناك العديد من الحلول تستطيع المؤسسات القيام بها لمكافحة الفساد الاداري الذي احدى وجوهه التنمر في مكان العمل، سنتكلم عنها في المقال الثاني التنمر في مكان العمل.