يخوض الأردن منذ ما يقارب العام شأنه شأن كل دول العالم معركته مع "فيروس" كورونا الذي اجتاح الأرض كلها، وفي بداية الإنتشار استطاع الأردن إلى حد ما أن يسيطر على الوباء، وتميز عن كثير من دول العالم والمنطقة، ولكن هذا الوضع انهار فجأة منذ شهور وقفز الأردن إلى أعلى درجات الخطورة الناتجة عن الوباء، ربما نتيجة بعض الأخطاء التي شابت التخطيط في المواجهة في كثير من الأحيان، الأمر الذي أدى إلى هذا الواقع "الخطير"، وهنا من الظلم أن نحمل هذة الحكومة وزر ما يحدث، فهي لم تستلم الملف إلا منذ شهر واحد، ولم تتدخر جهداً في المواجهة، وإذا دققنا في تفاصيل الصورة الواقعة منذ أن بدأ الوباء كان هناك نوعاً من الفوضى وهذا من الممكن أن يكون نتيجة تعدد المرجعيات في اتخاذ القرار واختلاف الآراء الذي انعكس بشكل واضح على عدد الإصابات والوفيات المتزايدة، خذ مثلا موضوع الحظر، سمعنا بخصوصه عدة آراء صادرة عن الأشخاص المعنيين بهذا الملف، فمرة يتحدثون عن عدم إمكانية تجاوز الحظر الشامل لمحاصرة هذا الوباء، وأخرى يتحدثون عن الخطورة الكبيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة هذا النوع من الحظر، ثم يتحدثون عن ما يسمى بالحظر الذكي، والكثير من الآراء المختلفة في الحديث عن الواقع الحقيقي للوباء على الساحة الأردنية.
تارة يخرج علينا وزير الصحة بهدوئه المحبب ليقول: إن الأرقام في الأردن خصوصاً الوفيات ضمن المعدل المقبول حسب النسب العالمية، والحقيقة إن الرجل اكتسب ثقة الناس منذ بداية الوباء لواقعيته وصدقه، وكان اختياره لمنصب وزير الصحة اختياراً موفقاً (مع العلم أنني لا أعرفه عن قرب ولم ألتقيه يوما حتى لا تصبح شهادتي بالرجل مجروحة) ثم يخرج عليك أمين عام وزارة الصحة مسؤول ملف كورونا ليخبرك أن الوضع خطير وأن عدد الوفيات والإصابات أصبح خارج السيطرة.. والعديد من الآراء المتضاربة التي تخرج في الإعلام على مدار الساعة، وهنا لابد أن نشير إلى أن الإعلام الأردني المقروء والمسموع والمرئي يبالغ كثيراً في الحديث عن الوباء حيث أن نسبة الحديث عنه أصبحت تحتل ما يزيد عن تسعين بالمئة من ساعات البث الكلي، وهذا أمر يوتر الناس ويشعرهم بالقلق، وبالتالي ينعكس على سلوكهم سلبا من ناحية الاستهلاك وتكديس المؤن في المنازل.
لذلك يجب ضبط التصريحات بوزير الصحة ووزير الإعلام وقبلهما إذا كان الأمر جد خطير وهناك قرارات حاسمة أن يتولاها رئيس الحكومة وزير الدفاع بنفسه الدكتور بشر الخصاونة، فهو المرجع الأساس والأعلى. فالمسألة ليست استعراضا إعلاميا وتصريحات متضاربة من قبل الكثيرين، فالعمل في غرف العمليات أكثر فائدة لهؤلاء من الخروج الممل في الإعلام، ناهيك عن أولئك الأطباء غير المعنيين إذ يخرجون على وسائل الإعلام كل يوم ليعطون آراءهم في الفيروس وكيفية مواجهته وعادة ما تكون آراؤهم متضاربة ومشوشة، فينعكس ذلك على الناس وازدياد الإشاعات، لذلك يجب ضبط الإيقاع الإعلامي بهذا الموضوع فجميع دول العالم لا تعطي هذه المساحة الضخمة في تغطية الوباء وتكتفي بكثير من الأحيان بالإرشادات الصحية وإعلان عدد الإصابات والوفيات.
لقد سمعنا أكثر من مرة ومن أكثر من مصدر أن مواجهة هذا الفيروس تكمن في أمرين بسيطين هما: ارتداء الكمامة والتباعد، وكثير من دول العالم ومنها العربية بالذات نجحت في محاصرة الوباء بهذه الطريقة البسيطة ولكنها كانت تطبق هذه التعليمات بحزم دون تردد، نشير هنا إلى دول الخليج العربي التي عندما بدأ الوباء كاد أن يجتاحها وهي التي تستضيف الآلاف من العمالة الوافدة من مختلف الملل والأجناس ولكنها حسمت أمرها وطبقت قوانينها بحزم وكانت النتيجة أن سيطرت على انتشار الفيروس بحدوده الدنيا، ربما نحن في الأردن بحاجة إلى اتخاذ القرار في إصدار أمر دفاع يلزم جميع من هم على الأرض الأردنية بارتداء الكمامة تحت طائلة المسؤولية والعقوبة القاسية والضرب بيد من حديد على المؤسسات والأفراد الذين لا يمارسون التباعد، وهذه تجربة كما قلنا نجحت في كثير من دول العالم.
بالخلاصة.. إننا بحاجة إلى توحيد المرجعية الصحية بشخص وزير الصحة وبحاجة أيضاً إلى الحزم تجاه كل من يتهاون في تنفيذ التعليمات وتطبيقها، وهذا يجنبنا ويخرجنا من هذا الوضع المأزوم في مواجهة هذا الوباء. ولا بد من التأكيد على أن المسؤولية لا تقع فقط على كاهل الحكومة، فالمسؤولية جماعية بين الحكومة والمجتمع الذي يجب أن يشكل بوعيه خط الدفاع الأول ..