كثرت الأعذار وبدأ يطيل الغياب عن البيت، اللقاءات أصبحت متشنجة. تغيرت نبرات صوته وبدأت تكون أكثر حدة تبدلت طريقته في معاملتها كانت أحيانا تشعر انه يعاقبها على ذنب لا تعرف ما هو ولم تعد تدرك ما هو. أصبح متحفزاً لتعداد عيوبها وتوجيه الانتقادات لها وبات يحسب سنوات عمرها.
في ذلك اليوم وهي تجلس معه كانت تراقبه دون أن يشعر لم يكن يدرك أنها تدرس تفاصيله بدقة فقد كان مغرق النظر إلى رسائل تصل لهاتفه الذي كان ينظر إليه بلهفة المنتظر، كلما أصدر الهاتف نغمة رسالة جديدة، كان ينظر إليه بلهفة وحماس ويسرح بعيداً، وأحيانًا كان يبتسم لنفسه برضى واضح ويغرق لثوان في عالمه الافتراضي قبل أن يعود إلى الواقع.
لم يلاحظ ولم ينتبه ولا مرة أنها تختلس النظر إليه وتتفحص معالم وجهه فقد كان يفكر في عالم بعيداً جداً عنها وكان يتواجد بجسده فقط معهم. كرهت العالم الافتراضي وكانت تشعر أنه اللص الذي سرق الفرح من منزلها.
في عدة مرات شعرت بخيبة الأمل كان بداخلها شعور يحذرها من طعنة في قلبها وهي تحاول جاهدة أن تتجاهل ذلك الإحساس لكن قلبها كان صادقا معها وكان يهمس لها هو في عالم لا يعنيك ولا يخصك.
زادت الحدة في تعامله وكبرت الفجوة وقل الكلام فأدركت أن هناك أخرى تناديه بلهفة أكبر ربما أكثر جمالاً أو مرحاً وقد تكون أكثر براعة في جذب مشاعره المستباحة.
كانت تسرح بعيداً وتبحر بذاكرتها إلى الماضي وكيف سعى جاهداً ليكسب ودها، وكم مرة فشل في جذبها لحياته وبكل مرة كانت تغرق في تفكير عميق كان وجهها يكتسي بحزن يطل من عينيها واضحاً وجلياً.
أما هو فلم يكن يحتمل أن يرى الحزن الذي يسكن عينيها ربما لأنه كان يعتبره دليل اتهام على خيانته لها مما كان يجعله يصرخ بحده مستنكراً شكوكها ويعطيها لقب نكده، وهي التي كانت قبل ارتباطها به تصنع الفرح وتزرع في البيت نوراً.
الألم الذي كان يطل من عينيها كان يتهمه بالقسوة والخيانة لكن دون كلمات فيتحول لرجل يتطاير غضباً.
زاد ذلك الإحساس وتعمق بقلبها وتوقفت عن محاولة تغيير أي شيء في استسلام غريب وكأنها تهمس له أذهب بعيداً إرحل عن حياتي وللأبد لا أريد أن أعكر عالمك لا أرغب في الدفاع ولا النقاش ولا التبرير.
أريدك أن تربح كل النقاشات أريد الهزيمة بسبق إصرار. إمض إلى عالمك بعيداً عني. إبعد قدر ما تستطيع وأكثر، لم أعد أرغب بانتظارك ولن أتوقع شيئاً منك.
بدأت تشعر أن هناك ماردا يقف بينهما كسد منيع يجعلها تشعر أن عليها الهروب إلى آخر الكون لتكون بعيدة عن عالمه البارد القاسي الذي بات يغتال طمأنينة قلبها.
قررت أن ترحل دون عتاب. في داخلها أدركت أنه لا جدوى من العتاب، فقد سئمت الأعذار الباهتة وبرود النظرات وقسوة الكلمات، ولم تعد تشعر بدفء لمسة اليد.
بداخلها كرهت الجشع الذي إن سكن قلوب البشر يفقدهم الرحمة ويجعلهم يرغبون في البحث عن المزيد من كل شيء ومن أي شيء دون أي اعتبارات إنسانية.
إحساس البرود الذي بدأ يتسرب إلى أطراف قلبها، جعلها تريد أن تغادر كأميرة بكامل كبريائها.
لم تكن ترغب في الوداع وفقدت الرغبة في الالتفات للنظر إليه ولو نظرة أخيرة. أرادت أن تتسرب من يديه دون أن يشعر كالماء لعلها تسقط مطراً في أرض خصبة فيزدهر القرنفل والياسمين الأبيض النقي الذي يشبه قلبها.
لم تكن ترغب سوى فيمن يهمس لها :أُعيذُك بالله من ضيقٍ يَقتل جمال ابتسامتك.
الرأي