مع اقتراب العالم أكثر من أي وقت للتعامل مع فيروس كورونا المستجد عبر لقاح شركة (بيونتيك) الألمانية و(فايزر) الأمريكية من جهة ولقاح جامعة (أكسفورد) وشركة (أسترازينيكا) الانجليزية من جهة أخرى، وفي محاولة عميقة من بعض حكومات الدول لشراء الوقت لنتائج إيجابية أكيدة، يتساءل البعض عن الأساليب الحصيفة والوسائل الذكية للتعامل مع المكان والزمان لمواجهة هذا الامتحان!
بات معلوماً لدى الأغلبية الساحقة، أن فيروس كورونا المستجد (COVID 19) هو وباء عالمي، قريب في شكله ووصفه من جائحة إنفلونزا عام (1918) أو ما عُرف بالإنفلونزا الأسبانية أو الوافدة الإسبانيولية، والتي انتشرت بعد الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم وخلفت ملايين القتلى، وتسبب بهذه الجائحة نوع خبيث من فيروس الإنفلونزا (أ) من نوع فيروس (H1N1) وتميز بسرعة العدوى حيث أصاب ذلك الفيروس حوالي 500 مليون شخص، وأدى إلى وفاة حوالي 50 مليون شخصاً جرّاء الإصابة بالمرض أي ما يعادل ضعف المتوفيين في الحرب العالمية الأولى!
في علم الاجتماع هنالك قاعدة تقول إنّ العدو المشترك يعزّز ولاءَ المجموعة، ويخلق وعياً جماعياً جديداً؛ وهذا الوعي يتطلب حتماً اجتماعَ الأفراد من مؤسسات وحكومات، أفراد وجماعات لتطوير تحالُف جديد وسياسةِ تضامنٍ جديدة لمحاربة هذا العدو، وبخلاف ذلك؛ فإنه يستحيلُ على أي دولة أن تنتصر وحدَها في هذه الحرب!
لقد بات الكثيرون في حيرة من تحديد العدو المشترك للمجتمع ما بين تطبيق حظرٍ حكومي شامل (يهدم الاقتصاد)، وعدم التزام شعبي كامل بالإجراءات الوقائية (يهدد الأفراد)!
إن تخفيض نسبة الإصابات بنسبة 90% على الأقل بعد تطبيق حظر ل21 يوم، وبنسبة 60% على الأقل إذا طُبَّق الحظر لمدة 14 يوم، يقابله في نفس الوقت إنخفاض في ايرادات الحكومة بنسبة 20%،والناتج المحلي بنسبه 4٪ والاستثمار الأجنبي بنسبة 40٪، وبذلك قد يصل العجز في موازنة 2021 إلى 3 مليار دينار وهذا يشكل حوالي ثلث الموازنة العامة للدولة، كما وسيرفع معدل البطالة إلى حوالي 27% !!
الحظر الذكي والذي أطلقته الحكومة كخيار قبل أيام قليلة يستهدف بعض القطاعات دون سواها وبتواقيت محدده وأيام محدده، لن يكون المفتاح السحري لتخفيض عدد الحالات في ظل انخفاض الوعي الشعبي بالوباء العالمي!
ما هو مطلوب اليوم، تطبيق الحظر العادل الذي يوازن ما بين النشاطات الاقتصادية والفعاليات الشعبية، وفق رؤية استراتيجية تكفل اعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية والصحية بشكل عميق، من خلال تقسيم المملكة إلى مناطق مفصولة عن بعضها البعض، يتم التعامل معها كحالات منفردة اقتصادياً وصحياً، تقسيماً يجعل من كل محافظة ولاية مستقلة تتبع إدارياً للمحافظ الذي يدير الملف الصحي والاقتصادي بشكل فني محترف، يعاونه في ذلك فريق صحي واقتصادي منسجم ومكتمل.
إن اعادة النظر بالملف الصحي من زاوية جغرافية قد يعطي الحكومة الأسبقية في وقف الانتشار الفيروسي، تحقيق الإنحسار الوبائي، من خلال التشاركية الحقيقية ما بين القطاعين الخاص والعام، من خلال العمليات التبادلية ما بين الوزارات الخدمية والوزارات القيادية وصولاً لمصفوفة رقمية صحية دقيقة، تٌقدر الضرر وترصد الأثر!
إن الحظر العادل، هو ذلك الذي يعادل ما بين الملف الصحي والملف الاقتصادي، الحظر الذي يوازن ما بين الوضع الوبائي في معان وعمان، الحظر الذي يوقف التجمعات البشرية وليس النشاطات الاقتصادية، الحظر الذي يلزم بالكمامات الشاملة وليس الواهمة، الحظر الذي يعطي الفرصة لمؤسسات الدولة المختلفة من ممارسة دورها الاجتماعي والتطوعي، الحظر الذي يقدم اعلاماً حكومياً محترفاً قادراً على تحقيق التوعية اللازمة والرسالة الكاملة.