مجلس الامة .. واستشراف المستقبل
السفير الدكتور موفق العجلوني
15-11-2020 09:11 AM
لست في معرض الدخول في حوار مع كل من معالي الصديق الدكتور نضال القطامين وعتاب المحبة لصديقه وصديقي الأستاذ الدكتور انيس الخصاونة لما جاء من ايماءة في مقاله المنشور في عمون الغراء للصورة الاعتبارية الوطنية لمجلس الأعيان. فانا شخصياً أكن للصديقين الكريمين كل تقدير واحترام، واحترم آراؤهما كل احترام سوآء اتفقت معهما او اختلفت، فالاختلاف لا يفسد في الود قضية، وخاصة انهما أساتذة اجلاء اتعلم منهما ادباً وعلماً وذوقاً وكياسة ودبلوماسية. املاً في مقالي هذا ايضاً ان يكون بوابة للحوار حيال تكريس العمل التشريعي في المملكة الأردنية الهاشمية ، وتعزيز هذا النموذج المهم على مستوى المنطقة ، و خاصة في ضوء اننا على أبواب مجلس نواب جديد يضم بين جنباته١٠٠ عضو جديد من اصل ١٣٠ عضو حيث سيكون لنا مجلس امه يتطلع الأردنيون ان يكون مجلس الامة القادم مجلس متميزاً في تاريخ مجالس الامة الأردنية و في المنطقة بأكملها من حيث القامات التشريعية و القانونية و السياسية و الاقتصادية و العلمية و تميزاً و انجازاً في مناقشات السياسة الداخلية و الخارجية و السياسة الاقتصادية و السياسات الأخرى و ما ينعكس على تقدم الأردن و ازدهاره و معالجة التحديات الأردنية الداخلية و الخارجية و إيجاد و تعديل القوانين و التشريعات الناظمة لها .
وهنا استذكر تجربتي في المجلس الوطني الاستشاري في الثمينات، والتي حقيقة بتشكيلة أعضائه تكاد تتشابه مع مجلس الاعيان مجلس الملك، لان المجلس الوطني الاستشارة كان فكرة ملكية سامية جاء بها المغفور له بأذن الله الملك الحسين طيب الله ثراه لمليء فراغ دستوري بسب ظروف كانت خارجة عن إقامة انتخابات برلمانية ونحن نستذكر جلالته هذا اليوم ونترحم عليه. حيث ضم المجلس الوطني الاستشاري في حينه ٦٠ عضواً، قامات اردنية من مختلف المنابت والأصول يشار لها بالبنان، وقد توالى على رئاسة المجلس ذوات معرفين بوطنيتهم وانتمائهم وتركوا بصمات يشهد لها كل الأردنيون، كل من دولة المرحوم الأستاذ احمد اللوزي، ومعالي المرحوم الأستاذ احمد الطراونة، ومعالي المرحوم الأستاذ سليمان عرار. وقد تشرفت بالعمل مع كل من دولة أبو ناصر ومعالي أبو هشام قبل التحاقي في وزارة الخارجية، وكانت تجربة فريدة في العمل التشريعي الاستشاري والبرلماني.
حقيقة ينتظر مجلس الاعيان مجلس النواب الجديد بفارغ الصبر ولأنه إذا كان مجلس الاعيان هو العين اليمنى فمجلس النواب هو العين اليسرى ومرتبطان " بحاجب " الدستور وكما يقول المثل " العين لا تعلو على الحاجب ". وبالتالي لا يستطيع ان يجتمع مجلس الاعيان في غياب مجلس النواب، لان الدستور الأردني أخذ بمبدأ ثنائية السلطة التشريعية، حيث نصت المادة ٦٢ من الدستور: أن مجلس الأمة يتألف من مجلسي الأعيان والنواب، حيث اشترط الدستور تشكيل مجلس النواب عن طريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا لقانون الانتخاب، في حين أنه أعطى الحق في تشكيل مجلس الأعيان إلى جلالة الملك، والذي له الحق حسب نص الدستور في تعيين أعضاء المجلس، وأن يختار من بينهم رئيسا لمجلس الأعيان لمدة سنتين قابلة للتجديد.
ومن أهم السلطات الدستورية التي ينفرد في ممارستها مجلس النواب هو في التصويت على البيان الوزاري للحكومة وإقرار الموازنة العامة للدولة، ومنح الثقة او طرحها بها، وفي التصويت على إحالة الوزراء إلى النيابة العامة في حالة ارتكابهم جرائم متعلقة بوظائفهم.
بنفس الوقت فقد قيد الدستور اجتماعات مجلس الأعيان بأن يكون مجلس النواب مجتمعا، وذلك في الفقرة الأولى من المادة ٦٦ من الدستور التي تنص: " يجتمع مجلس الأعيان عند اجتماع مجلس النواب وتكون أدوار انعقاد واحدة للمجلسين ". فعند غياب مجلس النواب في الفترة بين الدورات البرلمانية، لا يحق لمجلس الأعيان أن يجتمع، وذلك انطلاقا من النص الدستوري الذي يجعل دورات الانعقاد واحدة للمجلسين.
بنفس الوقت فآن مجلس الاعيان يتمتع بنفس صلاحيات مجلس النواب من حيث
التشريع والرقابة على الحكومة باستثناء طرح الثقة بالحكومة او بأحد الوزراء. حيث تتمثل الوظيفة التشريعية لمجلس الأعيان باقتراح مشاريع القوانين ومناقشتها وإقرارها، فيما تتمثل الوظيفة الرقابية بالرقابة على أعمال وتصرفات السلطة التنفيذية، حيث يمارس المجلس هذه الوظيفة من خلال عدة وسائل محددة في الدستور والنظام الداخلي بما فيها توجيه الأسئلة والاستجوابات والاقتراحات والاستيضاحات، وطرح موضوع عام للمناقشة، فضلا عن استقبال العرائض والشكاوى من المواطنين. وهنا تكمن حقيقة أهمية مجلس الاعيان وخاصة في الجوانب التشريعية لما يتمتع به أعضاء مجلس الاعيان من مؤهلات وخبرات متراكمة في كافة القضايا الحكومية وغير الحكومية والتي تمنحهم مجالاً واسعاً لقراءة التشريعات وإحاطة وافية لمسوغاتها، برويّة وحكمة وعقلانية ودراية وتجربة ومراس ودون انفعالات او مصالح ومنافع شخصية. وبالتالي فهم من زاوية أخرى مجلس ومستشاري الملك والحكومة.
وفي نظرة عالمية، لا تخلو برلمانات العالم من غرفة تشريعية " Chamber “ثانية، وهذه الغرف مكملة لبعضها البعض وخاصة في المجالات التشريعية، فعلى سبيل المثال هنالك في الولايات المتحدة الكونغرس وفي المملكة المتحدة مجلس اللوردات الذي يتآلف من النبلاء والأساقفة والخبراء.
و مما لا شك فيه فان مجلس الاعيان يملك صلاحيات مماثلة لمجلس النواب، يقوم بدور هام في العملية التشريعية، وأن اهداف مجلس الاعيان هي اهداف وطنية بالدرجة الأولى و الأخيرة و يبتعد كلياً عن قضايا مجلس النواب الذي تحكمه قواعد شعبية ورأي عام ضاغط، و بالتالي يبتعد أداء المجلس قليلا أو كثيرا، عن التسويق الإعلامي، مثلما تبتعد مبررات عمله التشريعي العام عن المطالب الخدمية التي يتسم بها مجلس النواب علاوة على المزاج العام الذي يتسم به بعض النواب و التي احياناً تنعكس سلبياً على مجلس النواب و على ثقة المواطنين بمجلس النواب التي منحوها لهذا العضو او ذاك . وبكل اسف هنالك نوع من عدم الثقة في بعض مجالس النواب او بعض الأعضاء في مجالس النواب السابقة بينما هنالك ثقة في مجلس الاعيان ومجالس الاعيان السابقة. وحقيقة لا بد من ذكرها ان مجلس الاعيان يعتبر الشقيق الأكبر لمجلس النواب وهو الذي يوازن الأشياء في حالة وقوع إشكالية تشريعية هامة ذات جانب مفصلي تتعلق بالمصلحة العليا للدولة بعيد عن الاهواء والمصالح الشخصية التي تحكم احياناً مجلس النواب لسبب او لأخر.
وبالمحصلة ينتظر الأردنيون بفارغ الصبر التام مجلس الامة بشقيه مجلس الاعيان ومجلس النواب الجديد والذي نستبشر فيه خيراً ويتطلع الأردنيون ان يكون هذا المجلس عند طموح الأردنيين جميعاً وعند امل جلالة الملك بالخروج بتشريعات وطنية على مستوى تآخد الأردن والأردنيين الى معارج التقدم والازدهار، وان يكون مجلس النواب الأردني متميزاً وانموذجاً في المنطقة بين المجالس التشريعية ومجالس الشورى ومجالس النواب والشيوخ في العالم.