من مآثرالاردنيين في الخارج
أ.د. سعد ابو دية
02-04-2010 09:42 PM
لكل شهيد قصه . قصة استشهاد الضابط الأردني الحنيطي الذي سيطر ووجه بكفاءته عمليات منطقة حيفا في آذار عام 1948 .
في عام 1999م صدرت مذكرات الحاج أمين الحسيني في دمشق وبين يدي الكتاب الذي يقع في 544 صفحة والمذكرات كتبت بخط يد الحاج أمين مفتي فلسطين الأكبر وهو من مواليد القدس فيها نشأ وتعلم وأكمل تعليمه في الأزهر والجامعة المصرية (القاهرة فيما بعد)، عمل ضابطاً في الجيش العثماني ثم عاد إلى فلسطين ليناضل ضد الانتداب.
انتخب في عام 1922 رئيساً للمجلس التشريعي الأعلى لإدارة شؤون الأوقاف والمحاكم الشرعية الإسلامية في فلسطين وترأس اللجنة العربية العليا في ثورة فلسطين 1936 وطورد من بريطانيا والتجأ إلى لبنان ثم العراق وشارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني وهرب إلى ألمانيا وفي عام 1946 ترأس الهيئة العربية العليا لفلسطين وبعد قرار 1947 بتقسيم فلسطين بدأ يدير حركة الجهاد الفلسطيني وشكل جيش الجهاد المقدس برئاسة عبد القادر الحسيني واتصل ببعض الدول العربية لإمداد حركة الجهاد الفلسطيني ببعض الضباط والفنيين.
ومن هنا نبدأ الحديث عن مشاركة الشهيد محمد الحمد الحنيطي كما وردت على لسان الحاج أمين نفسه، هناك متطوعون آخرون تطوعوا للقتال في فلسطين مثل (علوش داغش) الذي قاتل الي جانب عبد القادر الحسيني في القدس.
الحنيطي شهيد معركة حيفا:
هناك كثير من الأردنيين المدنيين استشهدوا خارج الأردن منهم نجيب السعد البطاينة الذي يعرفونه في ليبيا الآن بنجيب الحوراني والذي قاتل ضد الايطاليين، واستشهد في اذار عام 1914م وهناك الشهيد محمد الحمد الحنيطي وهو عسكري أردني ايضا وتشابه قصته مع قصة البطاينة أيضاً إذ ان كليهما تخلى عن اللباس العسكري وذهب للجهاد بملابسه العادية، تحدث الكتاب والعسكريون الأردنيون عن استشهاد الحنيطي إذ كتب (سليمان موسى) في كتابه أيام لا تنسى عن هذا الاستشهاد وكتب صادق الشرع في كتابه «حروبنا مع إسرائيل»، ولست بصدد حصر من كتب ولكن بصدد ان ما كتبوه كان عن تاريخ وظرف الاستشهاد.
وفي كتاب (صادق الشرع) اشار لاستقالة الحنيطي من الجيش بعلم القيادة وكان يومها برتبة (ملازم) والتحق بالمناضلين، يومها كانت اللجنة القومية تبحث عن قائد للمناضلين، فاختارت الحنيطي لتلك الغاية.
وأشار صادق الشرع وهو عسكري أردني، معاصر وشاهد عيان على تلك الفترة والمرحلة اشاد بالضابط الحنيطي وذكر انه مخلص وشجاع وانه نظم فئات المقاتلين في حيفا وسيطر عليها ووجه عملياتها على أكمل وجه.
ويشير صادق لمعلومة هامة ساهمت في نصب الكمين للقافلة التي كانت محملة بالسلاح وعائدة من لبنان باتجاه حيفا.. حيث كان يدافع عنها المجاهد الحنيطي.. وكتب صادق ان القافلة رفعت أعلاماً فلسطينية وكان هذا دليلاً عند اليهود انها مرتبطة بالعمل الوطني فعملوا لها كميناً وفي المواجهة استشهد الحنيطي.الجديد في رواية الحاج الحسيني
عرض الحاج أمين الحسيني مقتطفات كبيرة من تقرير الحنيطي السري الذي رفعه اليه وللأسف لم ينشره كاملاً ولا نعرف ان كان التقرير موجود في أوراق الحاج امين. وعلى أية حال فان ما نشر من التقرير اعطى انطباعاً ممتازاً عن شخصية الحنيطي وحسن تصوره للموقف.
امتدح الحاج امين الشهيد وذكر انه يتحلى بروح الفداء والإخلاص وانه تولى القيادة العسكرية لحركة الجهاد الفلسطيني في حيفا بالتعاون مع اللجنة القومية فيها، وكانت منطقة حيفا أخطر المناطق في فلسطين اذ كانت المستعمرات اليهودية المحصنة والمسلحة تحيط بها وتهدد طرق مواصلاتها.
تقرير الحنيطي للحسيني يوم 16/3/1948:
وقبل استشهاد الحنيطي بيوم واحد فقط كتب تقريراً سرياً مفصلاً للحاج أمين الحسيني وسلم التقرير في بيروت حيث كان يتزود بالسلاح من هناك وفي التقرير ذكر الحنيطي النقاط التالية:
1- أولاً: ان المستعمرات المحيطة بحيفا وما حولها تهدد المواصلات من وإلى حيفا.
2- ثانياً: طالب الحنيطي بجعل قيادة عكا تابعة لحيفا حتى تضغط عكا على المستعمرات القريبة منها فلا تظل عقبة في سبيل حرية المواصلات.
3- ثالثاً: طالب الحنيطي بتقوية وتسليح قرى حيفا مثل حواسة، بلدة الشيخ وياجوز والطيرة وام الزينات والدامون والشلالة والخريبة وجبع وعين غزال واجزم والطنطورة وابو شوشة وابو زريق واللجون.
4- رابعاً: ذكر في التقرير انه عندما بدأ الصراع كاد العرب يكونون عزلاً من السلاح وكان اليهود مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة لكن عندما تألفت القيادة وامدتها الهيئة العربية بالسلاح فان الحال تحسن بشكل ملموس.
السلاح عند الخصم:
ظهر في تقرير الحنيطي ان العدو استخدم في حيفا 2700 مقاتل من الهاغاناه في حيفا و100 مقاتل عصابة شترن وعندهم مدافع صاروخية ومدافع مورتر عيار (2) و3 بوصة وقنابل فرنسية وملز والغام ومتفجرات ارضية.
وعندهم مصفحات تستخدم باسم حماية المستعمرات علما انها لا تخرج من حيفا وعندهم باصات وسيارات (جيب) ونقل مصفحة.
السلاح عند العرب:
ظهر في تقرير الحنيطي الفارق في السلاح بين العرب واليهود وكان عند العرب:
320 مسلحا (وذكر التقرير انه سُمح لهم بزيادة 150 مجاهدا ولا يذكر لنا من سمح بهذه الزيادة).
و339 بندقية كان لكل بندقية 200 طلقة، هناك قليل من المسدسات وخمسة رشاشات وستة مدافع هاون 2 بوصة وكمية ضئيلة من الذخيرة لها وهناك (1000) قنبلة فرنسية وقنطاران من المتفجرات وماكنتان لتفجير الالغام ولا توجد سيارات مصفحة ولا بنادق مقاومة للدبابات.
الموقع الاستراتيجي:
كانت مواقع العدو في يافا مرتفعة ومستعمراته قوية وتسيطر على الطرق، طالب التقرير الذي كتبه الحنيطي بالسيطرة على بعض المواقع لمحاصرة العدو وتعزيز موقع العرب وهي:
الحليصة وشارع يافا ووادي الجمال ورأس الكرمل وحواسة وابو شوشة.
وذكر التقرير ان السيطرة على هذه المواقع سيحاصر اليهود وسوف يسلمون دون قيد أو شرط.
التموين هو أفضل وضع:
ان أفضل وضع عند العرب آنئذ كان الوضع التمويني وكتب بالنص:«هذا هو الشيء الوحيد الذي نفوق فيه العدو».
كانت هناك معاناة عند اليهود في مجال التموين، كانت البيضة تباع بعشرين قرشاً فلسطينياً. في محلة هدار كرمل وذكر بالنص ان اليهود في حالة مجاعة وربما كان يقارن بين وضع اليهود في التسلح وتركيزهم على السلاح وعدم التركيز على هذه الناحية!
ولكنه يؤكد هذه الناحية ان المجاعة ادت بهم الى شغب ومظاهرات انتهت بهم الى التسليم لولا صد الهاغاناه لهم وضربهم بشدة.. وهو بالطبع يعني اليهود السكان في حيفا وليس المقاتلين.
المعنويات عند العرب أفضل:
ذكر أنه في البداية كانت المعنويات عند العرب أفضل من اليهود في حيفا وبخاصة بعد تفجير المركز التجاري إذ قام السكان اليهود بمظاهرة ضد زعيمهم الدكتور (ليفتنش).
وتحدث الحنيطي في تقريره عن قوة المعنويات عند العرب وان رجالهم وصلوا الحد الأقصى في الرجولة وكانوا يهاجمون اليهود بالعصي في وقت كان اليهود يملكون أقوى سلاح، وذكر انهم كانوا مؤمنين أشد الإيمان بحقهم وقضيتهم وكانوا متلهفين على وصول الاسلحة اليهم.
الاصابات عند العرب أقل:
وكتب الحنيطي في التقرير ان الاصابات في الجانب العربي اقل من الجانب اليهودي وان اليهود يكتمون اخبارهم ويسحبون قتلاهم.
وكتب ان اكثر اصابات العرب كانت برصاص الجيش البريطاني ووصف الجيش البريطاني بأنه الخصم الألد للعرب وأنه متحيز لليهود وان الحنيطي شخصيا لم يؤمن بأي نية حسنة عند بريطانيا!
ملاحظة: لاحظ انه يتحدث عن فترة كانت في شهر آذار قبل انسحاب بريطانيا ونهاية الانتداب بشهرين.
الحنيطي ينتقد المثقفين:
وانتقد الحنيطي المثقفين الذين يكتفون باظهار وطنيتهم بأقلامهم على صفحات الجرائد والمجلات ويظهرون وطنيتهم في المآدب، والحفلات وطلب الحنيطي المعذرة على ما بدر من صراحته ولكنه لن يخفي شيئاً يؤنبه عليه ضميره كما كتب.اقتراحات في نهاية التقرير
اقترح الحنيطي زيادة القوة للدفاع عن حيفا ليصل عدد المقاتلين العرب الى (1000) مقاتل وان يمنع اليهود من زيادة مقاتليهم الى 000ر10 مقاتل كما كانوا يخططون.
وطالب باصدار بيان من الهيئة العربية يحض أهالي حيفا على التزام بتعليمات القيادة التزاماً كاملاً، كما طالب بعدم السماح لأحد بالعمل ما لم يكن مرتبطاً بالقيادة وطالب بالإيعاز إلى أرباب الاقلام وذوي المهن والموظفين بدعم القيادة دعماً فعالاً وتوقع اذا تحققت هذه المطالب ان تصبح حيفا ومنطقتها عربية محضة في وقت قريب.
استشهاد الحنيطي:
تزود الحنيطي بسلاح وعتاد من اللجنة العسكرية في دمشق ومن معتمدي الهيئة العربية لفلسطين في صيدا وتوجه عائداً عن طريق الناقورة وعكا وكان معه مجاهدون أبطال منهم سرور برهم.
وصلت القافلة بسلام إلى عكا وكانت مؤلفة من سيارتين كبيرتين وسيارة تحمله مع رفاقه، كان مستعجلاً لم يمكث في عكا واسرع الى حيفا، كان هناك كمين يهودي في (موتسكن) وهاجم هذا الكمين القافلة. ترجل الحنيطي ورفاقه واستعدوا للقتال، وعادت سيارة من السيارتين اللتين تحملان السلاح الى عكا وظلت سيارة ودافع عنها المجاهدون.
استشهد الحنيطي وعدد من رفاقه وتمكن المهاجمون من الوصول للسيارة المحملة بالسلاح عندها فجرها سرور برهم اذ قال لاخوانه تشهدوا والقى قنبلة على السيارة فسقط كثير من القتلى من المدافعين والمهاجمين ولم ينج من رجال القافلة سوى شخص واحد، نقل جثمان الشهيد الحنيطي الى جنين ومنها الى الأردن.
اللجنة القومية في حيفا تنعى الشهيد الحنيطي:
نعت اللجنة القومية في حيفا الشهيد الحنيطي في بيان طويل جاء في جزء منه ما يلي:
تنعى الى الامة الكريمة زمرة من خيرة ابنائها ورهطا من أعزّ جنودها هم: قائد حامية حيفا الباسل محمد بك الحنيطي واخوانه المجاهدين الأبرار: محمد سرور برهم، فخري عبد الواحد البرد، عمر الخطيب، احمد خضر موسى، احمد وجيه رحال، يوسف الطويل، علي كسار، حسن سلامة، عطا الله سلامة، محمد ناظم طرطوسي، محمد مصطفى خليل وعلي سجاع.
وكان تاريخ استشهادهم الساعة الثالثة من ظهر يوم الأربعاء 17/3/1948م رحمهم الله.
ملاحظة: اعود لرواية صادق الشرع، واربطها مع ترتيب الكمين والاحظ ان الشهيد الحنيطي وضع اعلاما فلسطينية على القافلة عندما سارت في الاراضي اللبنانية وان الدخول لفلسطين بهذه الاعلام يسلط الانظار عليها وعلى اهميتها وهذا الذي لفت الانتباه لها بخاصة ان بريطانيا في تلك الفترة موجودة في فلسطين.