ترمب: الظاهرة غير المألوفة في السياسة الأمريكية
أحمد بطاّح
14-11-2020 04:04 PM
منذ انتخابه في عام 2016 شكل الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ظاهرة غير مألوفة، فعلى نقيض معظم الرؤساء الأمريكيين الذين يأتون عادة من مواقع مجلس الشيوخ (Senators) أو حكام الولايات (Governors) جاء ترمب من عالم المال والأعمال وبدون أية خلفية سياسية تُذكر!
وخلال ولايته التي امتدت أربع سنوات غيّر من مرءَوسيه أكثر مما غيّر أي رئيس أمريكي آخر، فقد غير وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ومستشاره لشؤون الأمن القومي، وكبير موظفي البيت الأبيض وغيرهم كثير، والمثير للاستغراب أنه كان يغيّرهم بتغريدة على "تويتر" قبل أن يصدر قرارات رسمية بإقالتهم!
وفيما يتعلق بوسائل الإعلام الأمريكية المعروفة على مستوى العالم مثل جريدة "النيويورك تايمز"، وجريدة "الواشنطن بوست"، ومحطات التلفزة مثل "CNN" فقد أخذ منها موقفاً عدائياً إذ اعتبرها "عدواً للشعب"، وبدلاً من أن يتعامل معها أخذ يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. صحيح أنه أقترب من محطة "Fox news" واعتبرها الأكثر تعبيراً عن خطه الجمهوري اليميني إلا أنه وعكس معظم سابقيه من الرؤساء لم يهادن وسائل الإعلام الكبرى النافذة ليس على صعيد الولايات المتحدة بل ربما على صعيد العالم وبالذات النخب المثقفة والمتابعة.
أمّا على الصعيد الخارجي فقد عرّض علاقات بلاده للتآكل مع حلفاء تقليديين وتاريخيين كأعضاء حلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، ولم يتورع عن الانسحاب من بعض المعاهدات الدولية المهمة لكل دول العالم كاتفاقية المناخ التي وقعتها أكثر من (130) دولة في باريس، أو الاتفاق النووي مع إيران (خمسة + واحد) غير عابئ بحلفائه الأوروبيين الذي رفضوا مسايرته في الانسحاب من هذا الاتفاق!
وفيما يتعلق بالعالم العربي بالذات فقد فعل ما لم يفعله أيّ رئيس قبله وبالذات بشأن القضية الفلسطينية إذْ حاول تصفيتها فعلياً عن طريق الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف دعم المفوضية العامة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وغض النظر عن ضم بعض الأراضي الفلسطينية والتي تعتبر أراضي محتلة (منذ عام 1967)، ويؤمل أن تقوم عليها دولة فلسطين وفقاً لحل الدولتين الذي تتبناه معظم دول العالم ويمثل الشرعية الدولية.
وفي نفس السياق ضغط ترمب على بعض الدول العربية لكي "تُطّبع" مع إسرائيل، والأسوأ من ذلك أنه لم يتذكر أن هضبة الجولان السورية هي أراضي محتلة طبقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي بل قرر في نوبة كرم حاتمية أن يلحقها بإسرائيل!
ولم تقف غرائب ترمب عن هذا الحد بل امتدت – وهو يوشك على مغادرة موقعه مضطراً – إلى النظام السياسي الأمريكي الذي أفرزه فقد زعم أن عملية الانتخاب التي فاز بها منافسه "جو بايدن" انطوت على غير قليل من "الفساد" و "التزوير" ، وبدلاً من أن يهنئ بايدن على فوزه كما جرت العادة مع كل من سبق من الرؤساء استنكف عن ذلك وأدّعى أنه هو الفائز، وأنه بصدد رفع قضايا قانونية ضد ما يعتقد انه خلل في العملية الانتخابية العملية الانتخابية، والعجيب أنه ربما يعرف كما يعرف كل المحللين والمتابعين أنه حتى وإن كسب بعض هذه القضايا فإنه لا يمكن أن يربح السباق بفعل تفوق منافسه عليه بفارق كبير في أصوات المجمع الانتخابي الذي سيلتئم قريباً لتسمية الفائز رسمياً.
ولعل الأغرب من غرائب "ترمب" هو أنه وبرغم كل ما سبق وغيره مازال يتمتع بقاعدة شعبية واسعة إجمالاً إذْ انتخبه أكثر من (70) مليون أمريكي (مقابل 74) لمنافسه بايدن.
هل الغريب هو المجتمع الأمريكي وليس ترمب نفسه؟ سؤال مازال برسم الإجابة!