مجلس الاعيان: انتقاد للمركبة وليس للركاب
أ. د. انيس الخصاونة
14-11-2020 03:13 PM
نشرنا قبل ايام مقالا ناقدا لمجلس الاعيان الاردني تناولنا فيه ضعف هذا المجلس في ممارسة المهام التشريعية والمساهمة في تمثيل الارادة الشعبية للاردنيين.والحقيقة ان المقال اثار بعض الجدل من قبل المهتمين بتطور الحياة السياسية، وبعض اعضاء المجلس الحالي وفي مقدمتهم الزميل والصديق معالي الدكتور نضال القطامين الذي كتب مقالا يرد على مقالتنا بتاريخ ١٢-١١-٢٠٢٠.وفي الوقت الذي نكن كل الاحترام للصديق دكتور نضال، فإننا نود ان نؤكد على ان مجلس الاعيان مجلس دستوري ولا خلاف على ذلك، لكن انتقادنا هو ليس على دستورية المجلس وانما على فائدته التشريعية بوجود مجلس نواب منتخب مباشرة من الشعب.لا نربد ان نكرر ما جاء بمقالتنا السابقة، حيث يمكن للقارئ العودة اليها، فنحن نطالب بتعديل الدستور نفسه والغاء مجلس الاعيان او جعله مجلسا منتخبا من الشعب، وبعدد متساوي من المقاعد لكل محافظة بغض النظر عن عدد السكان، وذلك بعد إعادة النظر بالتقسيمات الادارية الحالية غير المنصفة وغير العادلة.اعتراضنا على مجلس الاعيان ليس اعتراض على الذوات الاعضاء الحاليين او السابقين في المجل، وانما هو اعتراض على المركبة وليس على الركاب...انتقادنا منصب على الدور الوظيفي للمجلس كغرفة عليا في البرلمان، فالمجلس مجلس معين من قبل جلالة الملك ولذلك سمي دستوريا مجلس الملك، وبالتالي فهو لا يمتلك طرح الثقة بالحكومة صاحبة "الولاية العامة" دستوريا ونظريا فكيف سيمارس رقابة فعالة عليها! وكيف سيمارس المجلس نفوذا مؤسسيا على الادارة العامة للدولة!.
من جانب آخر مجلس الاعيان كهيئة تشريعية لا يمثل الارادة الشعبية لكونه معين تعيين وولاء المعين للجهة التي عينته وليس للجهات والشرائح الشعبية التي ينتمي اليها.وعليه فإن مجلس الاعيان دوما مؤيد للحكومات لان اختيار الحكومة ورئيسها وكثير من سياساتها ومحاور عملها هو قرار للملك، وبالتالي منطقيا فلا يمكن لمجلس الملك ان يعترض على اختيارات الملك وحكومة الملك!!انا لا ادعي هنا ان انتخابات المجالس النيابية حصيفة وتعكس التمثيل الحقيقي للاردنيين فالانتخابات النيابية فيها ما فيها من تشويه لصور الديمقراطية، وبعض هذا التشوه يعود للثقافة السياسية والمجتمعية السائدة، كما ان كثير من التشوه يعود لإجراءات حكومية هادفة الى الحيلولة دون الوصول الى تمثيل لكافة القوى السياسية الحقيقية والوازنة في المجتمع.لكن في المجمل يبقى مجلس النواب بعجره وبجره مجلسا منتخبا ويعكس ارادة الناس بالصيغ التي تستجيب لثقافتهم السائدة، ويبقى المواطن يشعر ان المترشحين ياخذون شرعيتهم ويفوزون بمقاعدهم بفعل اصواتهم، وعليه لا غرابة من مغازلة المترشحين للناس وخطب ودهم وحتى "الشراء اللاخلاقي" لاصواتهم هو يعكس ان"مربط الفرس" المواطن.
اخي دكتور نضال : قيمة مجلس الاعيان ليس فقط في دستوريته فقط، ولكن قيمته في مدى مساهمته في التشريع والتمثيل والرقابة.نحن نقيس فائدة المجلس في مدى مساهمته في الديمقراطية وتطور الحياة السياسية في الدولة.فمجلس النواب رغم ما يشوبه من شوائب تتعلق بقوانين الانتخاب، وقوانين الاحزاب، والتقسيمات الادارية، فإن هذا المجلس يسير قدما بفعل قوى تطور حتمية وتاريخية وطبيعية لان يصبح مجلس يمثل ارادة الشعب مستقبلا، في حين ان مجلس الاعيان يشكل عائقا للديمقراطية وعائقا لتمثيل المواطنين، لا بل لا فائدة كبيرة من انتخابات النواب اذا كان مجلس الاعيان يمكن استخدامه من قبل الحكومة لتنفيذ سياساتها ومشاريعها في حال نشأ اختلاف بين المجلسين حول قضايا محددة. الدكتور نضال سبق وان عمل نائبا عن اهلنا في الطفيلة ويعمل الان عضو في مجلس الاعيان ويدرك تماما التباين في الاطر والمرجعيات والمحددات.واود ان اذكر الزميل بان اعتراض احد اعضاء مجلس الاعيان على معاهدة وادي عربة قد كلفه الاستقالة او الاقالة من موقعه!!!!كيف سيمكن لاعضاء المجلس ان يعترضوا على سياسات او اتفاقيات حكومية مهمة في المستقبل!.
اما فيما يتعلق باننا نقدنا لمجلس الاعيان جاء من زاوية واحدة، نقول نعم وهذا ما يجب ان ننظر اليه في المجلس ونقيم فائدته بمقدار مساهمته في التشريع والتمثيل والرقابة والديمقراطية، فهذا هو الاصل حسب ما تناوله معظم المفكرين أمثال مونتسكي، وجبرائيل الموند، وسدني فيربا، وغيرهم.
رد الدكتور قطامين فيما يتعلق بمجلس اللوردات البريطاني وبعض دول الكومنولث يدعم وجهة نظرنا ولا يدحضها، حيث يبين ان مجلس اللوردات صلاحياته محدودة جد، والمنصب متوارث ويباع ويشترى، وموافقته غير مطلوبة على معظم القوانين وخصوصا المالية منها، ناهيك ان السياق العام للنظام السياسي البريطاني مختلف حيث ان الحزب الفائز في مجلس العموم هو الذي يحك، ورئيس الحكومة ووزراءه يمثلون حزبا تم انتخاب اعضائه ليشكون الاغلبية النسبية في مجلس العموم.
اخيرا فإن القسوة و "الاكتهاء" وعدم التوقير الذي وصف مقالي به فاني اذكر الاخ الكريم بأني انتقدت مجلس يمثل هيئة اعتبارية ولم اتعرض لشخوص اعضاءه الكرام، فهو كمن ينتقد "الدولة العميقة " او "قوى الشد العكسي" فهذا لا يسيء لاحد. كما اود ان اذكر معالي الصديق بأن الكلمات الدبلوماسية قد تفقد الكلمات والمصطلحات لمعانيها ومقاصدها، فالحقائق تحتاج لاساليب مباشرة ومصطلحات تنسجم معها حتى تبقى اللغة متسقة مع المعاني والمضامين وقد اخذنا عهد على نفسنا ان نبقى قوالين للحق والحقائق دون مواربة، وربما هذا النهج هو الذي شكل لنا قاعدة عريضة من القراء والمتابعين مذكرا بالمثل القائل اذا اردت الحقائق فعليك بالاكاديميين واذا اردت المصالح فعليك بالسياسيين وادا اردت العدالة فعليك بالقضاة.اثمن لمعالي الدكتور نضال ما كتب واحترم رأيه، وما زلت اراهن على اسلوب تفكيره التجديدي، وذهنيته التطويرية الناقدة التي تحاكم الافكار وتراجع المواقف والاوضاع التقليدية وتناقشها حسب جدارتها وليس على اساس قدمها واستقرار التعامل معها وكانه نزل بها آيات بينات، فالحق سبحانه وتعالى ترك لنا ادارة الكثير من شؤوننا وفق مصالح مجتمعاتنا والله من وراء القصد....