المعشر يكتب لـ عمون: هيبة الدولة وسيادة القانون
د. مروان المعشر
14-11-2020 10:18 AM
يمر الأردن اليوم بأزمة اجتماعية أخلاقية، تأتي لتضيف الى أزمته السياسية والاقتصادية والصحية، وتؤشر على ظواهر اجتماعية خطيرة تطال العلاقة بين المواطن والدولة وتمتد الى ما هو أبعد من أزمة الثقة الحالية. تحتاج هذه الظاهرة لوقفة معمقة تتعدى إلقاء اللوم فيها على فئات قليلة ضالة لتشمل المعالم الأساسية للهوية الاردنية والمنحى الذي تسير فيه البلاد.
في الاسابيع القليلة الماضية، ظهرت الى السطح بشكل "فجائي" ظاهرة تم تسميتها بالبلطجة، تمثلت بجماعات من "الزعران" اللذين كانوا يفرضون الخاوات والاتاوات بالقوة على الافراد والمرافق التجارية. وبالرغم من ان هذه الظاهرة ليست جديدة، الا انها أدت إلى رد فعل مجتمعي عنيف إزاء ما يعرف بــ "جريمة الزرقاء" البشعة. تم الاعتراف حينئذ من قبل الاجهزة الامنية بوجود هذه العصابات، وقامت بحملة اخذت طابع "الفزعة" لاعتقال عدد كبير من اعضاءها، دون تفسير لما انتظرت الدولة طويلا للقيام بهذه الحملة ما دامت على علم بوجود مثل هذه الجماعات، او فيما إذا كانت تنوي وضع خطة لمنع استمرار هذه النشاطات غير القانونية مستقبلا.
ما كاد غضب الشارع الأردني يهدأ قليلا حتى خرجت ظاهرة قديمة جديدة للسطح تتمثل في إطلاق العيارات النارية خلال التجمعات في العديد من مناطق المملكة، اما احتفاء ببعض الناجحين في الانتخابات النيابية التي جرت الاسبوع الماضي، او اعتراضا على نتائجها. وما أدهش الاردنيين وأثار ذعرهم الى حد كبير هو نوع وكمية الاسلحة التي استخدمت من رشاشات وحتى مدافع، وخروج من استخدمها في تحد واضح للحجر الشامل المفروض بعد انتهاء إجراء الانتخابات للحد من انتشار فيروس كورونا، واشتراك العديد من المرشحين الناجحين والراسبين في الانتخابات في هذه الممارسات دون أي اعتبار لهيبة الدولة أو الأجهزة الأمنية او سيادة القانون.
تستطيع الدولة مرة أخرى أن تلقي اللوم على جماعات قليلة ضالة، وتستطيع أيضا استخدام نظام "الفزعة" مرة اخرى لإطلاق حملة اعتقالات لمرتكبي هذه الجرائم – وهي جرائم بكل معنى الكلمة. ولكن هل من المنطق أن يبقى المواطن الأردني محكوما بالانتظار حتى وقوع الجريمة قبل ان تعترف له الدولة بانها كانت تدرك مدى الخروج عن القانون الذي كان يمارسه البعض، ولكنها احجمت عن التصرف سابقا لأسباب مجهولة أو غير مقبولة؟
ماذا يجري في الاردن اليوم؟ بعد مائة عام من ولادة الدولة الاردنية، وبعد تغني الدولة بان الامن والامان هو أحد أكبر إنجازاتها واساس استقرارها، لا يمكن تبرير التقاعس عن تطبيق القانون بإلقاء اللوم على "فئات قليلة ضالة".
لا أتحدث اليوم عن ازمة الثقة بين المواطن والدولة، ولا أركز على الإصلاح السياسي الذي أصبح مجرد ذكره يسبب حساسية مفرطة لدى أركان الدولة. اتكلم اليوم عن الادوات التي اختارتها الدولة لإدامة السلم الاهلي والتي تتعرض اليوم لانتقادات مشروعة. فالخروج عن القانون المتمثل باستخدام السلاح لم يأت من المعارضة السياسية التقليدية في البلاد، بل أتى من اماكن تمثل قواعد راسخة للنظام الأردني على الرغم من تدني مستوى المعيشة فيها. ومن حق المواطن الأردني اليوم، ليبراليا كان ام محافظا، مواليا او معارضا، ان يطرح الاسئلة ذاتها التي طرحتها الدولة عن طريق مدير الامن العام، واسئلة اخرى لم يطرحها. لماذا يتم تكديس هذه الأسلحة بهذه الكميات والانواع تحت أعين الدولة؟ ومن أين أتت الاموال اللازمة لشرائها؟ وضد من ينوى استخدامها؟ ولماذا لم يطبق القانون سابقا على من اقتناها؟
نخطئ في حق بلدنا إن تجاهلنا المشكلة او ألقينا اللوم على قلة، فما حدث ظاهرة اجتماعية تعدت منطقة بذاتها لتشمل العديد من محافظات المملكة. كما نخطئ أيضا إن إختبأنا وراء مقولة أننا مجتمع عشائري، فبعد مائة عام من قيام الدولة الأردنية، من حق المواطن أن يطالب بتطبيق القانون على الجميع دون محاباة أو تمييز، لأن عدم تطبيق القانون يفقد الدولة هيبتها – ليست الهيبة المعتمدة على التهديد والوعيد، ولكنها الهيبة المستمدة قوتها من سيادة القانون على الجميع. وحين تُفقد الهيبة يحدث خلل كبير في توازن المجتمع، يشعر فيها المواطن في حالة من عدم الاستقرار التي تعتبر من أهم حقوقه الدستورية التي يجب أن توفرها له الدولة من خلال تعزيز سيادة القانون.
يحق للمواطن الأردني اليوم أن يطالب بخطة واضحة لمعالجة هذه الظواهر الخطيرة بالحزم المستمد من القانون دون انتقائية. لا يجوز ان يكون ذلك مسألة فيها نظر.