بدأت طبول الحرب تقرع في عمان حول احتمال اللجوء لحظر شامل طويل المدى بسبب نتائج الانتخابات النيابية، والتجمعات التي رافقت إعلان النتائج، والتحشيد ليلة الانتخابات.
الذين يقرعون طبول الحرب يريدون معاقبة عشرة ملايين شخص في الأردن، بسبب قيام بضعة آلاف الأشخاص في مواقع مختلفة، بتجاوز القانون، وعدم احترام الحظر الشامل الذي تم تطبيقه لمدة أربعة أيام، وبهذا المعنى يراد تنزيل الكلفة على الشعب بأكمله، دون أي مراعاة لظروف الناس، وحاجة الناس للحركة والعمل، في ظل ظروف اقتصادية صعبة جدا، لا تستطيع معها الحكومة هذه المرة تعويض شخص واحد بدينار واحد فقط.
هذا سيؤدي الى سخط شعبي شديد، لأن كلفة انتخاب مجلس نيابي جديد، ستكون اقتصادية واجتماعية غير محتملة أبدا، ثم ما ذنب الذين التزموا، وهم الغالبية، بسبب القلة القليلة التي لم تلتزم، ولا تريد أن تفهم ماذا يعني الوباء؟
الحكومة، وعلى لسان مسؤول فيها، تحدثت عن أن نسبة إشغال أسرة العزل المخصصة لمرضى فيروس كورونا بلغت 41%، وإشغال أسرة العناية الحثيثة 52 % وهذا يعني أكثر من النصف، و28 % إشغال أجهزة التنفس الاصطناعي، وهذا يقول إن القطاع الصحي يحتمل حاليا، وقد لا يحتمل بعد قليل بسبب تفشي الإصابات، التي ستظهر خلال أيام.
الحل الوحيد المتاح هنا، هو عدم معاقبة كل الناس، بسبب ما جرى ليلة الانتخابات وبعدها، لأن هذا العقاب سيكون جماعيا، على ذنب لم يقترفه أغلب الناس، وإذا كان هناك من حل فهو تعطيل قطاعات محددة، مثل قطاع المحاكم الذي تم تعطيله لعشرة أيام، اعتبارا من غد الأحد، واللجوء الى الحظر وفقا للمناطق التي حدثت بها الفوضى، فهي المهددة أكثر من غيرها، وعدم مد الحظر الشامل الى كل الأردن، لأنه لا يعقل أن يدفع الكل الثمن.
حتى نكون واضحين، الحكومة وقبل الانتخابات كانت تتحدث عن حظر شامل ممتد زمنيا لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، فالحديث عن الحظر الشامل الممتد زمنيا، لم يكن وليد الانتخابات فقط، بل كان نتيجة الوضع القائم، وتواصل زيادة الحالات، والتوقعات أيضا، لما سيحدث خلال الانتخابات، لكن في كل الأحوال ودون أي تصيد سياسي، لا يمكن تحميل الناس الكلفة، الا من زاوية عدم التزام الفرد ذاته، أو تسببه بنقل العدوى، فيما تحمل أي جهة رسمية الكلفة بسبب سوء الإدارة، أو التفريط بإجراءات الوقاية عند الدخول الى المؤسسات، أو بين الموظفين، أو قلة الرقابة على المخالفين، في المدن، وخارجها تحديدا.
إذا سألنا الناس عن حظر الأربعة أيام، لاكتشفنا أن كثيرا منهم دفعوا ثمنا ليس سهلا، من عملهم، أو تجارتهم، أو محلاتهم الصغيرة، التي بالكاد تؤدي نفقاتها، فيما تعطيل الأيام الأربعة يعني خسارة مالية، لا يمكن لمسؤول عاقل أن يلحقها بحظر أوسع وممتد زمنيا، بحيث تتضرر قطاعات كثيرة في القطاع الخاص، وبين العمالة، وأصحاب المهن والسائقين والمزارعين، وسلاسل التوريد المرتبطة ببعضها بعضا وغير هؤلاء.
لماذا نتحول الى مجتمع لا يأبه فيه موظف الحكومة ولا حتى متخذ القرار بالحظر الشامل، بأي كلفة، هل لأن كليهما يأخذ راتبه وهو في البيت، نعم هذه هي الحقيقة، موظف القطاع العام، ومن يتخذ القرار، لا يهمهما الكلفة المترتبة على البقية، فهما غير متضررين شخصيا، وهذا يعني أن من يتخذ القرار عليه أن يتذكر أن هناك غالبية تعتمد على عملها اليومي.
ننصح رئيس الحكومة، إذا كان يحب سماع نصيحة أحد، أن لا يسمح باللجوء لخيار الحظر الشامل الممتد زمنيا لفترة طويلة، لأن الكلفة أيضا سياسية هذه المرة، على موقف الناس من مجلس النواب، الذي سيصير متهما بالتسبب بتفشي العدوى قبل أن يبدأ أعماله، وعلى الحكومة التي أدارت هذا الملف، فوق الكلفة الاقتصادية التي لن تكون محتملة من جانب الناس، ولا من جانب خزينة الدولة التي تعيش على الضرائب والتحصيلات المالية.
قد تجد الحكومة حلا مبدعا، بدلا من قصة حشر الناس في بيوتهم، خصوصا أن الناس الذين التزموا بالحظر الشامل السابق، وبحظر الأربعة أيام، سيقولون للحكومة، ما ذنبنا نحن، وذنب أولادنا وبيوتنا وعائلاتنا هذه المرة، حتى ندفع ثمن أخطاء غيرنا؟
(الغد)