رؤية لما بعد انحسار الإعصار
محمود الريماوي
11-06-2007 03:00 AM
لم يكن والحمد لله إعصار غونو الذي ضرب العاصمة العمانية مسقط ، بحجم إعصار تسونامي الذي ضرب شواطىء المحيط الهادي . ومع ذلك فهذا الإعصار الذي يضرب للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً على الأقل ، شواطئ خليجية وعربية فاق المتوقع . فقد كان الظن أن هذا الإعصار سوف يقتصر على هبوب رياح شديدة وهطول أمطار غزيرة ، وهو ما يمكن احتماله وربما الاحتفاء به ، كتغيير في المناخ يكسر حدة صهد الصيف ..غير أن ما حدث كان أكبر وأقسى من ذلك بكثير .تستحق سلطنة عمان التضامن معها في هذه المحنة ، بالمبادرة إلى تقديم مختلف أشكال العون المتاحة والمطلوبة ، أو الاستجابة الأخوية لطلبات محددة .علماً بأن النتائج المهولة للإعصار ، شكلت امتحاناً عسيراً لكفاءة وصمود البنى التحتية في الدولة الشقيقة ، وهو ما يستحق التفحص والتوقف عنده من طرف الأشقاء .
غير أن مدار تعليق اليوم يدور حول مسألة أخرى . فقد دفعت سلطنة عمان التي لا تحتسب من الدول الغنية ، وليست عضواً في منظمة أوبك ، ثمن تغييرات كونية في المناخ . الموقع الجغرافي للسلطنة ، هو ما أملى دفع هذه الضريبة الجسيمة . وبوسع المختصين أن يخوضوا في ما إذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري ، لها علاقة أم لا بهبوب هذا الإعصار المدمر ، وهو بمثابة ضيف ثقيل وغريب لم يألفه أبناء المنطقة . وقد شاءت إرادة المولى أن تنجو إمارة الفجيرة ، من عقابيل هذا الزائر غير المرغوب به ، إذ اقتصر الأمر على أمطار غزيرة أمكن استيعابها .وبهذا تجد منطقة الخليج أنها باتت في مرمى تحولات البيئة ، بينما كانت من قبل في دائرة مخاطر الصراعات السياسية والعسكرية ، وبالذات حروب العراق والحروب التي شنت على هذا البلد ، منذ نحو عقدين وحتى أيام الناس هذه .
ولا يتوقف الأمر عند ما سبق . إذ أن أحد التحفظات الأساسية لأبناء المنطقة على المشروع النووي الإيراني ، يتمثل في مخاطره البيئية الداهمة سواء إذا ما وقعت لا سمح الله كارثة طبيعية ، في مناطق المفاعلات وفي مناطق مجاورة ، أو نتيجة أخطاء فنية بشرية كما حدث مع مفاعل تشرنوبل الروسي ، الذي طارت شهرته كمثال ساطع على مخاطرالمنشآت النووية ، وعلى محاذير سوء الأداء الفني في إدارتها ..وكل ذلك دون أن يكون هناك استخدام مباشر أو غير مباشر ، لأسلحة نووية وما هو في حكمها . فكيف إذا ما ارتأى أصحاب القرار استخدامها ولو جزئياً ذات يوم ؟. أي انعكاسات سوف تتعرض لها حينئذ مناطق قريبة في الكويت أو دولة الإمارات ؟ .
المأمول أن تشكل هذه المناسبة الأليمة فرصة لمراجعة الحسابات ، سواء لدى السلطة الشقيقة أو بقية دول مجلس التعاون ، وتفحص الأمن الاستراتيجي بأبعاده المختلفة وشتى جوانبه ، والتي تتعدى الاعتبارات العسكرية على أهميتها الإستثنائية ، وحتى ظاهرة الإرهاب على مخاطرها المشهودة ، لتشمل تحولات البيئة والمناخ ، ومخاطر الإشعاع النووي .
كان يقال دائما وعن حق ، إن الموقع الجغرافي المميز والثروات الطبيعية لمنطقة الخليج ،هما مفتاح الحظ السابغ الذي تنعم به دول منطقة الخليج ، غير أن للمسالة وجهاً آخر مما تم التطرق إليه في الفقرات السابقة ، ومما يحسن الخبراء والمختصون الإفاضة حوله ..
mdrimawi@yahoo.com