كثيرة هي الحناجر التي تعبت راجية المواطنين الإلتزام بقواعد السلامة العامة والإبتعاد ما أمكن عن التجمعات الكورونية المخيفة، وكثيرة أيضا تلك الحناجر التي تعبت لإقناع الناخبين بإختيار نوابهم، وبالتالي كانت خيارات المواطن الأردني في الفترة الأخيرة متأرجحة بين نُصرة الكورونا أو محاربتها. لا نقصد هنا إدانة المشاركة بالإنتخابات أو إنتقادها - لا سمح الله. جُلّ ما نرمي إليه هنا هو توضيح حقيقة أن للديمقراطية طقوسا ونواميسا لا تتناسب مع ثقافة زمرة كبيرة من إخواننا الناخبين والمرشحين في أردننا العزيز.
ففي الوقت الذي أمر فيه صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بإجراء الإنتخابات النيابية ضمن مواعيدها الدستورية، كان قد شدّد جلالته على ضرورة الإنتباه لخطورة الوضع الصحي القائم والمتعلق بكورونا وبالتالي كان التوجيه الملكي للحكومة بإجراء الإنتخابات دون التفريط بأدنى معايير الأمن الصحي الوطني ومتطلباته. تلقفت الحكومة وهيئة الإنتخابات الأمر الملكي الغالي، وبادرت مشكورة بتوظيف كل السبل الممكنة لتهيئة المواطنين للمشاركة في الإحتفالية الوطنية كناخبين أو مرشحين. وتحت وطأة العشرات من الحوارات الإذاعية والتلفزيونية وأطنان الوعود الحكومية والدعائية الإنتخابية ووقار الفتاوى الدينية الإنتخابية أيضا، إشتعل حماس الكثير من المواطنين للمشاركة في الإنتخابات وباتت الأغاني الحماسية مثل "الهدف مرصود والرشاش جاهز" و "إبشر! صوت وفزعة وهوية" و "بدنا نولع الجو" من فيروزيات المجتمع الأردني.
جاء يوم الإنتخاب، وجاءت الصناديق ومضادات الكورونا، وجاء الناخبون والمرشحون وممثلوهم، وجاء الفرز والنجاح والرسوب معا.. وبعد إطلاق صافرات الحظر الشامل ليلا، إنفلت الكورونا ومعه زغاريد بنادق وأبواق سيارات لم يكن قد تم الإتفاق عليها بين الحكومة ونواب الناخبين -على ما يبدو. وإتسع الإنفلات الكوروني وقرر الكثير من الناخبين ونوابهم مواجهة الكورونا بتجمعات حاشدة مشحونة بأنغام فيروزياتهم النارية! لربما يتعدى تأثير الأغاني الحماسية وإطلاق النار إشعال مشاعر الجماهير للقضاء على الوباء سيء الذكر، وفي هذا براءة إختراع طبي لابد من مشاركته مع المهتمين عالميا بالقضاء على الكورونا.
وبعد جهد جهيد وتكلفة باهظة للميزانية المالية والصحية والديمقراطية الوطنية، أفاقت الحكومة الرشيدة على سيل من الإنتقادات المتعلقة بالإنتخابات ونسب المشاركة فيها ونزاهتها وظروف إجراءها وطريقة إعلان نتائجها وكل ما يتعلق بذلك من كورونا وأخواتها! أنقابل إحسان الحكومة بالنكران والله تعالى يقول: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"؟ فبالرغم من أننا لا نؤكد ولا ننفي أي إنتقاد متعلق بالإنتخابات النيابية، إلا أن ضميرنا يحتم علينا إجلال الجهد الحكومي في إدارة الإنتخابات وتمويلها، وندعوها أن لا تنسى في المرة القادمة أن الإنتخابات لا تنتهى بإغلاق الصناديق ولا بإنتهاء الفرز ولا بإعلان النتائج ولا بتوزيع أرقام سيارات النواب بناء على تراتبيتهم الإنتخابية.
ونتمنى على الحكومة أيضا أن لا تراهن كثيرا على وعي كل المواطنين؛ فبعضهم ونوابهم يظن حتى الآن أنه قادر على قتل الكورونا بالسيف والرشاش والفزعة.