عن محطة (الحُرّة) .. غير الحرة!
محمد خروب
11-06-2007 03:00 AM
كالمشروع الامبراطوري الأميركي المتعثر والآيل للسقوط، تعيش محطة الحرة التلفزيونية الأميركية، مرحلة من الإرتباك والتخبط لم تتوقف طوال السنوات الأربع التي انقضت على قيامها، لتشكل ذراعاً إعلامية للمشروع الأميركي (إلى جانب شقيقتها إذاعة سوا) بهدف التصدي للقنوات العربيّة المناوئة للسياسة الأميركية، كما في الآن ذاته للترويج للقيّم والسياسات الأميركية في الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، أو أي صفة أخرى تنوي إدارة بوش إطلاقها عليه لاحقاً..آخر أخبار الحُرّة هي الاستقالة المدوية لرئيسها لاري ريجستر، بعد ان تعرض لحملة ضارية من الانتقادات، شارك فيها نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتهمونه فيها بأنه وفر منبراً للإرهابيين وبث خطابات تدعو لنشر الكراهية والتحريض على العنف.
وإذ العبارات والأوصاف الأميركية باتت معروفة وتقليدية على نحو يظهر إفلاس الخطاب الأميركي الذي تجمّد عند نقطة معينة ولم يعد بمقدور القائمين عليه تسويقه وخصوصاً بعد افتضاح ديمقراطيتهم المزعومة، في سجن أبو غريب ومعسكر غوانتانامو والسجون السرية الطائرة، التي تعصف أخبارها الجديدة بكثير من الأنظمة الشرق الأوسطية وخصوصاً تلك الأوروبية الشرقية الدائرة في فلك التبعية الأميركية المطلقة مثل: بولندا (التي يرحب رئيسها بنشر منظومة الدرع الصاروخية الأميركية على أراضي بلاده رغم المعارضة الشعبية المتصاعدة)..
نقول..
رغم ذلك فإن أميركا بوش ما تزال تتحدث عن خطاب الكراهية والتحريض على العنف ولم تجد بعد ان وزعت الاتهامات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ونصبت نفسها حارساً للقيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان، بل استمرأت ان تقوم بدور شرطي العالم من خلال تبنيها لمبدأ اسقاط الانظمة بالقوة ووضعها موضع التنفيذ شعار بوش الضربات الاستباقية والحروب الوقائية.
فهل صحيح ان الحرة غدت منبراً للارهابيين ووكراً لنشر الكراهية؟.
ثمة مبالغة وتهويل ما بعده تهويل، لأن من يتابع هذه الفضائية الاميركية التي قيل عند الاعلان عن تأسيس مجموعة الشرق الاوسط للبث التي تتبعها الحرة وسوا، انها (الحرة) ستقدم خطاباً اعلامياً مختلفاً عن الاعلام العربي السائد في المنطقة (يقصدون بالطبع اعلام الانظمة) وسيكون شعارها البحث عن الحقيقة والتزام الموضوعية والمهنية واحترام التعددية وحق الاختلاف وقبل كل شيء حق الجمهور في معرفة الحقيقة..
(هل تذكرون موفق حرب بالمناسبة؟).
فشلت الحرة في الامتحان ولم تزد عن كونها بوقاً لترويج السياسات الاميركية والاسرائيلية وراحت على نحو بائس، تقدم برامج وثائقية واخرى دعائية هابطة تتحدث عن الحلم الاميركي وكل ما هو اميركي في شكل نفّر المشاهدين وجعل كل من حاول التعرف الى الاعلام الاميركي الحر الابتعاد سريعاً حتى لم يعد احد يشعر انه خسر كثيراً اذا فاته مشاهدة نشرات الحرة الاخبارية او برامجها الحوارية ناهيك عن الثقافية والوثائقية ذات القيمة التاريخية او العلمية الجيدة..
ومع ذلك سقط موفق حرب او أُسقط .. لا فرق، وعندما جيء بالرئيس الجديد لاري ريجستر بديلا من حرب اللبناني الاصل الذي اتهمه خصومه بانه شللي وفردي وطائفي الى غير تلك الاوصاف التي خلعوها عليه، ها هم يطلقون النار على الرئيس الجديد للحرة فقط لانه لا يناسب مقياسهم الذي ربما يفوق مقياس ريختر في شدته وعنصريته وغطرسته ولهذا قامت لجنة في مجلس النواب الاميركي بتجميد موازنة الحرة بعد ان رفضت طلب تخصيص 11 مليون دولار لبرامج القناة للسنة المالية المقبلة وبعد (وهذا هو الاهم) أن أعربت عن قلقها البالغ ازاء عدد من البرامج التي تبثها الحرة.
موازنة الحرة السنوية تبلغ 63 مليون دولار ومعظم الدراسات والابحاث واستطلاعات الرأي التي قامت بها مراكز أميركية متخصصة، أكدت على تواضع عدد مشاهدي هذه القناة من العرب بالطبع ونفورهم من تحيزها وبدلا من ان يعاد النظر في السياسة التي تحكم عمل المحطة هذه والخطاب الاعلامي الذي تروج له، فإن اطاحة الاشخاص تبدو اللعبة الاميركية المفضلة وإلاّ كيف نفسر اطاحة كل رجال الرئيس وخصوصا بعد فشل الغزو الاميركي للعراق وسقوطهم الواحد تلو الآخر دون ان يطرأ أي تغيير على السياسات الاميركية في العراق وفي مجمل المنطقة بل إن الرئيس الاميركي ما يزال يكابر ويقول ان النصر في العراق ممكن؟.
لن تغيير استقالة او إقالة لاري ريجستر من الامور شيئا، وما توجيه التهمة إليه بتوفير منبر للارهابيين (بث خطاب السيد حسن نصرالله على الهواء مباشرة واجراء مقابلات مباشرة مع رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية) وبث خطابات تدعو لنشر الكراهية (غطت الحرة المؤتمر الذي نظمته ايران عن الهولوكست) سوى دليل إفلاس الخطاب الاميركي والاعلامي والسياسي، بل ان ريجستر نفسه يقول انه تعرض لهجمات على الصعيدين الشخصي والمهني.
هذا ليس مستبعدا عن ادارة متغطرسة كهذه، ولهذا ايضا لا داعي للاستغراب او التعجب عندما نعرف ان أحد اسباب اطاحة ريجستر هو وصف قناة الحرة في احد تقاريرها ذكرى تأسيس اسرائيل في العام .1948. بالنكبة.. وهو أمر لا يغفره المحافظون الجدد وحلفاؤهم من المسيحيين المتصهينين.. لأحد.
kharroub@jpf.com.jo