لا معنى للحُبّ .. سوى "أن تُحبّ"
محمد هاشم
12-11-2020 05:52 PM
الاختلاف بين شعوب العالم أمر فطري، وأكثر الاختلاف شيوعًا وتداولًا هو الاختلاف الفكري الذي يرمي إليه أصحابه إلى استدعاء حكايات قديمة، وربطها بالحاضر من المشاهدات والأقاويل.
وتتعدّد الأساطير والحكايات حول الطير عند شعوب العالم، فإلى الطير نسب (التطير) الذي نهى عنه الإسلام، وإلى الطير نسبت اليابسة الجديدة بعد طوفان نوح عليه السلام، وإلى الطير نسبت (الهامة) التي تبقى تنادي بالثأر للميت، وإلى أنواع محددة من الطيور نسبت بعض الأحداث مثل نسبة الاستدلال على اليابسة إلى الحمام، ونسبة التفاؤل والتشاؤم إلى طير البوم، وهي نسب متفاوتة، ومتباعدة التفسيرات بين الشعوب والقبائل في العالم.. كل حسب هواه.
ولا يوجد تفسير مقنع لما يستشعره أحد تجاه نمط طير معين، ففي حين يستشعر عدد من شُعوب العالم من طائر ما التفاؤل، يستشعر به البعض الآخر التشاؤم .. ولكلٍّ أسبابه، وتوجهاته فيما يستشعره!
إن التشاؤم ظاهرة مهزوزة، فلا تشاؤم في الأديان؛ لأن الله تعالى الخالق هو من يدبر الكون.. وليس الأمر بالتشاؤم ولا بالتفاؤل، بل بالفكر الذي ينتشر بين الناس: فكم من متشائم لا يعنيه من تشاؤمه إلا بث الذعر في نفوس القوم، وهو من تشاؤمه غير مستفيد، ولا مفيد! وكم من متفائل لا يعنيه من تفاؤله إلا بث الاطمئنان دون وجه حق! أعني أن لأي حقيقة وجهين، أبيض وأسود؛ لذلك ذهبت السُنّة المطهّرة إلى نفي الشؤم، ولم تربطه بطائر محدد، ولكن من أين ارتبط التشاؤم بطير البوم.. أو بالثعبان، أو بالجراد .. وهو أمر نسبي، مع أننا نعرف أن التشاؤم صفة تهدّ من عزم الإنسان، وغير محبذ الخوض فيها، ولا يجدر لمن يؤمن بالخالق المدبر جل وعلا أن يستسلم إليه..
أما أولئك الذين لا يؤمنون بالخالق المدبر لهذا الكون فإنهم ينجرفون وراء أكاذيب وافتراءات تبدأ وتنتهي عند خرافة التشاؤم وما يلتصق بها من وصف طير أو وجهه وما يحمله من تفاصيل.
إنه ليس (ضيق أفق) بالقدر الذي هو (قلة إدراك) و(سوء تدبر) فمن أي زاوية يمكننا أن نقبل أن تلتصق صفة الشؤم بطير كالبوم، مثلا، ولماذا البوم؟ ومن أين لنا أن نتقبل أن نصف أي إنسان بالبوم، ونقصد بذلك أن نصفه بالشؤم .. فكيف إذا قمنا نلصق وسم البوم بالرائح والعادي من الناس، ونحن بالكاد لا نعرف من البوم إلا ارتباطه بصفة الفأل بشقيه (الجيد والرديء). ومن الملاحظ أن أولئك الناس الذي يلصقون الصفات الحميدة أو غير الحميدة هم الناس الذين لا يحملون أي قيمة في المجتمع، وينشغلون بغيرهم بدلا من الانشغال بأنفسهم. وهذا هو العجب!
إن الدكتور طلال أبوغزاله واحد من أولئك الذين شغلوا الناس بفكرهم وأقوالهم، ولا تلبث أن ترى له مقالا هنا، أو خبرًا هناك، أو لقاء من هنا أو تحليلا من هناك.. فكيف لشخص مثله ألا يشغل العالم ويملأ الدنيا وهو الاقتصادي المعرفي العالم المتنبئ الدّارس المحلل ذو الخبر التي صقلتها له السنين. وكيف للناس ألا يلصقوا به صفة من هنا أو وصفًا من هناك، فلقد اعتاد الاقتصادي الريادي الدكتور طلال أبوغزاله على اعتماد الشفافية، والوضوح في كل ما يطرحه أو يخبر به الآخرين.. إنه نعم الإداري؛ فلقد اختط لم منهجًا عرف باسمه، فمن أين للبومة أن تعرف سبيلها إليه!
وهناك فرق بين الناس في مشرق الأرض أو غربها؛ فالغربيون منهم يتقبلون النّقد، ويعدونه فرصة للتطوير، كما يربطون الأحداث بالمسببات والنتائج، وإننا نجد أن تاريخهم غير المشرف جدًا هو دافع لحاضر لهم يكون أفضل ومستقبل يكون أكثر إشراقًا.. أما العرب فيفتخرون بماضيهم وتاريخهم الذي لا ينكره أحد مما يشتتهم عن التركيز على حاضرهم، وبالتالي يستصعبون استشراف المستقبل، ولم يعتادوا على ذلك.
ومن هنا، يمكن لنا أن ندرك السبب في إلصاق صفة البوم بمن يستشرف المستقبل عند العرب؛ لأنهم غير معتادين على ذلك، وهم لا يعرفون البوم ولم يعايشوه، وكل مجهول عندهم مرفوض خصوصا إذا كان لا يدغدغ أحلامهم الوردية، وبراءتهم في تبسيط الأمور، وتسهيل كل ما يجري لصالحهم، ولو بان لهم عكس ذلك. فألصقوا صفة البوم الذي يجهلونه بصفة متنبئ المستقبل الذي يجهلونه أيضًا.
لقد حكمت الخبرة على الدكتور طلال أبوغزاله أن ينهج نهج الغرب في مصارحته وتقبله للرأي الآخر بكل صدر رحب.. وهو القائل غير مرة بأنه تلميذ يدرس كل يوم.. ولأنه "يحبنا سيخبرنا بالحقيقة".
وأخيرًا استحق الدكتور طلال أبوغزاله كل لقب فمن (عامل معرفة) إلى (شخص حكيم)،.. فإن أعجبنا ما يقول سُرِرنا، وإن لم يعجبنا، نُكيل له التهم وننعته بما لا يليق. حقًّا إننا ما زلنا نحبو، وما زال طريقنا مشبوهًا ولا ما يميزنا، ولا ما يشعرنا بالتفوق، ولا ما يبعث فينا الطاقة أو الأمل بأننا سنعود "خير أمة أخرجت للناس" سواك يا طلال أبوغزاله، ومن هم مثلك.
إنه لا ينافق، ولا يهادن، ويرى الحقائق بعقله قبل بصره وقلبه، ويقرأ التاريخ قراءة من يفهم، كما تدرب على ذلك طيلة ستين عامًا، ويخاطبنا بالمنطق، ولم يجمع ثروته من المال العام، وواقعي إذ ينبهنا إلى الأخطار، وإلى طريقة علاجها..، ولم يبخل بمعلومة تهم بلده ومجتمعه، فيشاركنا إياها، ويستشرف المستقبل، ويحذرنا من القادم، المجهول ونحتاج كلامه ونسترشد به مهما علت رتبنا أو دنت!
هذا هو طلال وهذا هو أبوغزاله.
لا يضره استهتار من استهتر. ولا يضره استخفاف من استخف.. وليس من شأنه ذاك أو تلك.. لا يتحدث عن أحد، ولا يهتم لذكر أحد، وما من شأنه أن يعيب على أحد أو يُهين أحدًا .. إنه واحد من العلماء الأصلاء وعلينا الاقتداء بإدارته وفكره وحسن إدارته وطريقة أدائه، دون الاكتراث لمن يجرحه أو يستهتر به أو يصفه بما ليس فيه.
شكرا دكتور طلال أيها الفلسطيني الأردني العربي المسلم، كما تحب أن توصف.
شكرا لكل ما قدمت..
وبئس القوم أنتم يا من رجعتم بنا إلى الوراء. وتساهمون في كل رديء ولا يعنيكم من الأمر إلا أنفسكم، أنتم شر الناس. لطالما رغبتم أن تسترشدوا بما يسترشد به طلال، ولطالما رغبتم أن يمدكم الله بما أمده من المعرفة والحكمة والجلد والمحبة، ولكنكم عجزتم، فمات الإحساس من جلودكم كما مات من نفوسكم ودمرتم أنفسكم وتريدون تدمير غيركم. ولكننا لا نقول إلا: "يحبك الناس كلهم يا طلال .. فلا تتوقف عن الكلام بما ينفعنا". بك نتفاءل. ولوجهك تتبع أعيننا. ولصوتك عذوبة خلاقة نشتاقها. ولبهجتك تبتغي نفوسنا. طاقة من الإيجابية أنت، لا تنتهي، وسنستمر بالدعاء لك بطول العمر ما حيينا.