الحقوق السياسية، هي من أهم مجموعات الحقوق التي تثبت للإنسان، وقد تبنّاها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة الصادر عام 1966، اعترافا بالكرامة المتأصلة في الإنسانية، على أن يتم ممارستها بالتحرر من الخوف أو الفاقة. وكان القران الكريم قد رسّخها في مبادئ الحياة العامة للدولة قبل أربعة عشر قرنا (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم).
وتثبت الحقوق السياسية للفرد بصفته مواطنا في مجتمع سياسي معين، تخوّله المشاركة في حكم الدولة والمساهمة في إدارة شؤونها العامة. ومن أهم هذه الحقوق التي تعبـّر عن الصفة السياسية للمواطن هو حق الانتخاب عن طريق اختيار ممثيله السياسيين في البرلمان، الذي تسند اليه وظائف دستورية عريقة أبرزها التشريع والرقابة. فتهدف، بذلك، هذه الحقوق إلى تكريس سيادة الأمة في الحكم وحماية مصالح الدولة السياسية.
هذه الأرضية الخصبة للحقوق السياسية ومدى أثر حق الانتخاب بالمشاركة بالحكم، تـُحفّز المواطنين إلى الغزرة العميقـة لأهمية هذه الحقوق ودورها الفاعل في رسم شكل مجلس النواب القادم وصياغة مستقبل الدولة.
تـُلقي هذه العوامل بثقلها أمانة المسؤولية على الناخبين في تحديد خياراتهم الدستورية، وهم يمارسون حقهم بالانتخاب وانتقاء القائمة الانتخابية والمرشح المؤهل لتمثيله في مجلس النواب، والأكثر قدرة على التصدى لمهام النائب الدستورية. بأن يتصف ذلك المرشح بمجموعة مواصفات تمكـّنه من حمل أمانة التكليف، والنهوض بالعمل النيابي، والارتقاء بواجباته إلى المكانة الدستورية المشرقة.
وبما أن الانتخاب حق كفله الدستور ونظّمـه القانون، يمارسه المواطن بحرية وفق ضمانات تكفل حمايته. فمقابل هذه الحرية، يجب على الناخب تأدية هذا الحق بنزاهة دون التأثر بأي عامل يخرق هذه النزاهة، وعليه أن يفعّل بضميره الانتخابي مقومات الأمانة وهو يحدد خياراته الدستورية أو عندما يُدلي بصوته في ورقة الاقتراع، باختيار القائمة أو المرشح بما يُمليه عليه واجب المواطنة الصالحة، واضعا صوب عينيه في تلك اللحظة المعيارية عظم حمل الأمانة من جهة، امتثالا لقوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)، ومتحسسا حسّه الوطني باختيار من يكون قادرا على المشاركة الفاعلة في ممارسة سلطات الدولة السيادية التي أوكلها الدستور لمجلس النواب، بوصفه المكوّن الرئيس للسلطة التشريعية.
تتحقق هذه المتطلبات في ممارسة حق الاقتراع بالصوت النظيف، الذي يمنحه الناخب لمرشح أمين لا تدور حوله الشبهات، ويؤديه دون أن يرجو من ورائه أي مقابل أو منافع، إنما بالاحتكام إلى مقتضيات حرية إرادته الشجاعة بالاختيار، والمبنية على منهج تفكير واع ٍ وتفاضل سليم بين المرشحين، ليكون الهدف من ذلك الانتخاب تجسيـد المصلحة العامة للوطـن.
أخـي الناخب، يجب أن ندرك في اليوم الأخير الذي يسبق الاقتراع، معانـي المسؤولية الأخلاقيـة العظيمة ومقومات الواجب الوطني الكبير في خياراتنا الدستورية تجاه عملية الانتخاب، والتي تساهم في تحديد الطريق الذي ستسير عليه الدولة في الزمـن القادم. وبالتالي يجب ترجمة هذا الإدراك إلى لغـةٍ جميلة، تغني للوطن أجمل قصائد الحب، وتعبـق فضائه بأعطر معاني الانتماء.
الدستور