لم يعد احد يفهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ، فها هو يذهب الى "الشام" بعد ست سنوات من القطيعة ، واطلاق النار يمينا وشمالا ، على دمشق ، التي بقيت كالجبل الثقيل تتفرج على جنبلاط ، ومن مثله ، وهم يتقافزون من ضفة الى ضفة ، لكنهم آخر النهار يعودون ، مُعلنين استسلامهم ، امام دمشق.
الذين تاجروا بدم الحريري في الساحة اللبنانية ، كثرة ، ليس منهم عائلة الحريري بطبيعة الحال ، لان هؤلاء فقدوا والدهم في نهاية المطاف. الذين تاجروا بدم رفيق الحريري ، من اتجاهات عدة سياسية ودينية. لكنهم تساقطوا الواحد تلو الاخر. وبقيت دمشق "عقدة كبيرة" لا يُمكن فكها ، ولا تجاوزها. القصة تنطبق ليس على خصوم دمشق في لبنان. تمتد ايضا الى خصوم الاقليم والعالم. فكل هذا "التهمير" على الشام ، لم يؤد الى تصغير اكتاف دمشق ، وبقيت لاعبا اساسيا لا يمكن تذويبه ولا انهاؤه ، بأي طريقة.
"البيك"الذي لم يترك كلمة الا وقالها بحق دمشق ، مثله مثل غيره ، من اولئك الذين يتصلون بالامريكي والاسرائيلي والفرنسي. في زيارته اكثر من اعتذار. واكثر من سقوط سياسي ، له ولذات التيار الذي بقي يعتاش على رمي الجمر المتقد في وجه الشام. الشام قد لا تكون مُقدسة. غير ان ادارة الخلاف معها بوحي من الاجنبي هو المشكلة. ولو كانت خصومة وطنية نظيفة لقبلناها. غير انها خصومة بوحي يوحى. والاجنبي ترك جماعته يتامى في ساحة لا تفك اسرارها سوى دمشق فعادوا عن مواقفهم الواحد تلو الاخر. من ميشيل عون الى وليد جنبلاط ، مرورا بسمير جعجع الذي لا يعرف ماذا يفعل بعد جعجعته ، وصولا الى سعد الحريري الذي لم تتشكل حكومته الا بعد ان بخّرت دمشق وزراء حكومته واحدا تلو اخر.
في السياسة تغيرات واختلافات. غير ان في رؤية "البيك" وليد جنبلاط في دمشق اكثر من البراغماتية الى اعلان الموت السياسي بطريقة غير مباشرة ، واعلان النهاية. لا احد منا مع سيطرة احد على احد. غير انها "الشام" التي لم تُسلم اوراقها ، ولم تُصغر اكتافها ، لانها تعرف ان ثمن تسكين الموقف ، والتماهي مع الاقوياء ، سيؤدي الى تحول دمشق من عاصمة الى غوطة صغيرة ، يصطاد فيها الامريكيون وغيرهم سمك "الويك اند". دمشق انموذج يستحق الدراسة ، فهذه الجدائل السياسية في مواقفها صعبة الفك والتمزيق والقص ايضا. كيف سُنصّدق اليوم من قرعوا طبول الحرب في لبنان ، ضد دمشق ، ونحن نراهم واحدا.. واحدا يتسللون سرا وعلنا الى دمشق للتفسير والاعتذار والتبرير. لم نُصدقهم اساسا. لكنهم قدموا الدليل ، على ان القوة ليست مجرد كلام. صياغة وجودك بحاجة الى عناصر وادارة للموقف ، تتجاوز اي ادارة عادية. البيك في دمشق ، ولو كنت مكانه لاعلنت اعتزالي ، او غيبتي الكبرى ، اواقنعت رفاقي بالتوبة ، والاعتراف ، علنا ، ان دمشق ليست العدو.
البيك ليس بحاجة للتطهرمن ذنوبه السياسية. البيك بحاجة الى صحوة ضمير ، لا ينام بعدها ابدا.
mtair@addustour. com. jo