ما اكتبه هنا " للحرب يذهب الكبار " هو عنوان لفلم روسي - سوفييتي لمخرجه ليونيد بيكوف , و يتحدث عن الحرب العالمية الثانية ( العظمى ) 1939 1945 , تم اعداده عام 1973 , و حصد عام 1974 44,3 مليون مشاهد سينمائي . و مقصد الفلم , هو ان المقاتلين الطيارين الشباب وسط المعركة الكبيرة تلك التي ذهب ضحيتها نحو 27 مليون شهيد , و تمكنت من طرد النازية الالمانية الهتلرية بقيادة اودولف هتلر , تم توفير تقديمهم للمعركة , و اكتفي بتقديم كبار السن منهم . وهذا الاقتباس , و هذه المقارنة اسوقها هنا للحديث عن الاستحقاق الدستوري الانتخابي الرئاسي الحديث في الولايات المتحدة الامريكية التي جرت بتاريخ 3 نوفمبر 2020 , و التي تم خلالها تقديم كبار السن من المرشحين مثل دونالد ترمب (74 عام ) , و جو بايدين يقترب من (78) , بينما يزخر الحزبين الجمهوري و الديمقراطي بأسماء الشباب من السياسيين , و الاقتصاديين ولم يتم تقديم اسماءهم ,وليس من السهل ان يكون ذلك بطبيعة الحال اذا ما لفتنا الانتباه الى سايكولوجيا المجتمع الامريكي متشعب الاصول و المنابت برمته , و الى دور رأس المال ,واللوبي اليهودي – الصهيوني وسط الكونغرس (الشيوخ و النواب ) , و البنتاغون ( الدفاع) , ومنه الاستخبارات CIA ) ( , و مؤسسة (الايباك ) المتخصصة بالعلاقات اليهودية الصهيونية التي تأسست عام 1953 . ولا تأثير يذكر للعرب القاطنين في امريكا بكل تأكيد , رغم مساهمتهم في انجاح ترمب عام 2016 ليفوز في كرسي البيت الابيض بفارق من الاصوات تجاوزت ال 10 الاف صوت بقليل , وكان تعدادهم حسب ( ADC ), اللجنة الامريكية العربية انذاك 3,5 مليون نسمة , ومعظمهم يقطنون ولاية ميتشيغان . وعدد سكان الويلايات المتحدة الامريكية بلغ هذا العام 2020 اكثر من 300 مليون . و الرقم في زيادة طردية . وبلغ عدد من ادلو بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الجديدة 160 مليون من اصل 239 مليون ناخب يحق لهم التصويت , وسط منافسة شديدة , و تزاحم قوي على الاصوات بين الحزبين الجمهوري , و الديمقراطي , قد يتحول الى الوصول الى المحكمة العليا الامريكية المتخصصة بالانتخابات . في وقت لا يقبل به الرئيس المرشح ترمب بالنتيجة بسهولة , و يصعب عليه ترك دفيء البيت الابيض بجرة قلم , و بنتيجة انتخابية حتى لو كانت ديمقراطية وسط رعب جائحة كورونا COVID19 التي تجتاح امريكا بقوة هذه الايام .
المطلوب امريكيا لكي يحقق الفوز اي من المرشحين الرئاسيين ترمب او بايدن 270 صوتا اجماليا من اصل 538 صوتا للمجمع الانتخابي . ولازالت اصوات مفقودة في ولاية جورجيا من ضمن الاصوات التي ترسل عبر البريد بسبب جائحة كورونا تزيد من صعوبة تسريع عملية الفرز النهائية , و القضاء الامريكي تابع و يتابع التجاوزات الانتخابية اول بأول . ونسبة التصويت فاقت ال 66% , وهي الاعلى منذ بدايات التاريخ الانتخابي الامريكي الرئاسي . و تشابه في تقارب الاصوات بين ترمب و بايدن , و بين جون كيندي و ريتشارد نيكسون عام 1960 . و الاهم هنا هو ملاحظة عدم وجود اي تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الامريكية على المستويين السياسي و الاعلامي . و شخصيا متابع عن كثب للشأنين السياسي و الاعلامي االروسي خاصة وسط اجواء الانتخابات الرئاسية الامريكية هذه الدائرة رحاها الان . وهو الامر الذي يؤكد من جديد عدم جدوى الاتهام السابق لروسيا في دعم ترشح دونالد ترمب . وفي المقابل نعم تعاطفت روسيا مع ترمب , ومن النواب الروس من فضل فوزه و لازال يفضل فوزه الان في انتخابات عام 2020 كما انتخابات 2016 مثل فلاديمير جيرينوفسكي الساخر . ومثل هكذا توجه غير رسمي في روسيا هدفه الابقاء على حرب باردة من طرف امريكا و الغرب بنيران هادئة بدلا من تسعيرها و زيادة شعلتها مع روسيا حالة فوز بايدن . و بالمناسبة سبق لترمب ان عمل في موسكو بصفة رجل اعمال ,و في مجال البزنس . ولم يكن سياسيا معروفا بالنسبة للروس . وحول هذا الموضوع تحدث رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين اكثر من مرة وامام رئيس ملدافيا الضيف على موسكو وقتها . ولم تستطع امريكا حتى الساعة , و رغم امتلاكها لأحد اهم اجهزة الاستخبارات في العالم ( CIA) إن لم يكن الاهم , و الاقوى على خارطة العالم بسبب ما يمتلك من تكنولوجيا متطورة و علاقات دولية واسعة و عميقة . لم يستطع اثبات تورط روسيا عام 2016 بمجرى الانتخابات الرئاسية الامريكية , و هو ما اكده الرئيس بوتين لنظيره ترمب في لقاء هيلسينكي عام 2019 عندما دعا امريكا للتوجه للمحكمة الدولية لتبيان الحقيقة التي يصعب تغطيتها بغربال . وبقي موضوع اتهام طباخ الكرملين ( يفغيني بريغوجين ) في تحريك الانترنت و الاعلانات لهزيمة هيلاري كلينتون عام 2016 محض سراب و تقويل .
وطرفة شعبية روسية تجري الان في الداخل الروسي مفادها أن اي سلبيات روسية ترصدها شعوب روسيا مثل غياب تعبيد طرق مدن الدرجة الثاثلة الداخلية ستعزى لأي رئيس امريكي قادم بأنه السبب لما يطبقه من عقوبات على روسيا لها تأثير سلبي على سباق التسلح ( كل ما دق الكوز بالجرة ) , حسب مثلنا الشعبي الاردني . و علق البروفيسور النائب فيجيسلاف نيكانوف مدير صندوق " روسكي مير " في موسكو عبر الفيسبوك قبل فترة زمنية قريبة بأن اي نشاط روسي عبر الاون لاين تفسره امريكا الحليفة للروس على حد تعبيره بأنه تدخل في انتخاباتهم الرئاسية , بينما نحن الروس نوظف جهدنا الالكتروني لخدمة لغتنا الروسية لتحقق انتشارا واسعا في العالم . و الكلام هنا لنيكانوف .
ماذا قدم ترمب لبلده امريكا ؟ وماذا قدم للعرب , و للشرق الاوسط ؟ وما ذا قدم للعالم ؟ لقد رفع ترمب فور توليه زمام السلطة في واشنطن شعار " امريكا اولا " , ووجه الانفاق العام الى الداخل , ومنه ما يتعلق بالدفاع , مقابل تخفيض الدعم المالي الامريكي لحلف ( الناتو ) الاطلسي . و لم يتمكن في المقابل بسهولة السيطرة على عنصرية الداخل الامريكي , وقصة الاسود جورج فلويد الذي قضى خنقا في الشارع العام على يد شرطي امريكي بتاريخ 25 ايار 2019 في مينابوليس ليست بعيدة . و كورنا ضربت امريكا و لازالت تضربها و بارقام قياسية ) اكثر من 9 مليون اصابة , وحوالي 236 الف حالة وفاة ) , رغم المراكز الطبية العملاقة التي تملكها امريكا و المجهزة باحدث التكنولوجيا . و ذهب ترمب الى الاستثمار عبر بيع السلاح للخارج بمليارات هائلة من الدولارات ( 36% من مبيعات الاسلحة في العالم ) بواسطة تعمد خلق الازمات بين العرب , و ايران مثلا , وقلب عداء العرب لاسرائيل الى سلام معها من دون الحاجة لاقناعها بالعودة الى حدود الرابع من حزيران لعام 1967. و تحويل العداء بالكامل نحو ايران . والمضي اكثر صوب الغاء المعاهدة النووية الدولية الموقعة عام 2015 مع ايران . و الدفع بالهلال الاسرائيلي لكي يطوق مثيله الايراني ويصطدم معه وسط العرب , رغم خطورة الهلالين على العرب وعلى وحدتهم المنشودة . و ادخل بلاده امريكا مبكرا الى سوريا من دون إذن , وتسبب في مشكلة سياسية و عسكرية معها بحجة مطاردة الارهاب , وقصف مطار الشعيرات العسكري فيها لسبب غير مقنع بعد اتهام دمشق باستخدام الكيماوي ضد المدنيين ,ومن غير الحاجة لتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية عادلة . وزج العرب في صراع بين بعضهم البعض , لازالت اثاره ماثلة حتى يومنا هذا على شكل قطيعة طويلة المدى . ووتر العلاقة مع الصين , ومع كوريا الشمالية , و مع ايران , و استفز روسيا عبر عقوبات متكررة اثر قضية الجاسوس المزدوج الروسي - البريطاني سيرجي سكريبال , وبسبب الازمة الاوكرانية . لكن الدور الروسي في سوريا انقذ صورة امريكا في مراحل الازمة السورية الاخيرة بواسطة تثبيت مناطق خفض التصعيد , وبالتعاون مع دول الجوار مثل الاردن و تركيا , بهدف إعادة اللاجيء السوري الى وطنه طوعا , و قبل ذلك عبر التفكيك المشترك لتراسانة سوريا الكيميائية الخطيرة عام 2013 التي امتلكها جيشها .
وقادت امريكا - ترمب و بالتعاون مع اسرائيل ( صفقة القرن ) المشؤومة 2019 2020 ,والتي بدأت بصفقة استثمارية مالية وجهت للعرب عبر جاريد كوشنير مستشاره و نسيبه . و انسحبت على عدم الاعتراف بحل الدولتين , و هو الامر الذي اعاق قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية , و استهدفت ايضا قوة الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس ,والتي هي تاريخية منذ عهد شريف العرب و ملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه عام 1924 , وخط اردني , و عربي , و اسلامي , ومسيحي احمر . ولذهابه مجددا لاسرلة الجولان - الهضبة العربية السورية , فقط بسبب عدم انسجام بلاده امريكا , و اسرائيل مع دمشق , ولرفض الاخيرة توقيع سلام بشروط تمس السيادة السورية مع اسرائيل . و بقيت علاقة واشنطن مع ) انقرة ( متشنجة بعد شراء تركيا منظومة صورايخ C 400 من روسيا عام 2019 , رغم العلاقة التشاركية مع حلف الناتو .
كتاب جون بولتون مستشار ترمب للأمن الوطني ( الغرفة التي شهدت الاحداث ) , و الذي حاول ترمب منع انتشاره , وهو الذي تحدث عن شخصية رئيس البيت الابيض واصفا اياه بالجاهل , و الباحثة عن السلطة باستمرار لدرجة الطلب من الرئيس الصيني شي جين بينغ لمساعدته للوصول لولاية رئاسية ثانية . الى جانب تسجيل اخطاء ترمب الرئاسية . شكل منصة , و ضربة قاصمة لرحيله المحتوم عن كرسي البيت الابيض ولو بفارق انتخابي بسيط . والان ماذا نريد نحن العرب ؟ وماذا يريد العالم من جو بايدن المرجح فوزه وهو الذي اعلن احترامه للاسلام و نقدره على ذلك ؟ ببساطة نريد من امريكا ان تكون صديقة مخلصة للعرب ليس عبر دعمهم بالمال و السلاح فقط , وانما بانصاف قضيتهم الفلسطينية العادلة عبر دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وفقا للشرعية الدولية . و التوجه لانهاء الحرب الباردة الموجهة للشرق , وبهدف السيطرة على اقتصادات العالم من وسط بقاء القطب الواحد , في زمن اصبحت الاقطاب المتعددة هي التي تدير العالم لتحقيق العدالة , و التمنية الشاملة لما فيه كل الخير للانسانية .