وعي المواطن في زمن الكورونا
اللواء المتقاعد مروان العمد
07-11-2020 10:59 AM
لقد ظهر وباء كوفيد 19 المستجد في الصين في آواخر عام 2019 ثم اخذ ينتشر في العالم مع بدايات عام 2020 حيث بدأ يظهر في انحاء مختلفة منه . وقد وصلت اول اصابة الى الاردن بتاريخ 2 / 3 / 2020 لمواطن اردني كان في زيارة لايطاليا . بعد ذلك اخذت تظهر حالات اصابات اخرى معظمها لقادمين من الخارج ومن مخالطيهم . وقد اتخذت الحكومة حينها بعض الاجراءات لمحاولة منع دخول الوباء للاردن منها حظر القدوم من عدة دول وحجر المواطنين الاردنيين القادمين من الخارج في الفنادق لمدة اسبوعين على ان يتبعها حجر منزلي لمدة مماثلة . واغلاق الجامعات والمدارس ورياض الاطفال والحضانات لمدة اسبوعين ، ومنع التجمعات لاكثر من عشرة اشخاص وحث المواطنين على التزام منازلهم وعدم الخروج الا في حالة الضرورة . الا ان عدد الاصابات زادت حتى بلغت عدة عشرات .
وبتاريخ 17 / 3 صدر قرار بتفعيل قانون الدفاع الوطني رقم 13 لعام 1990 على ان يعمل به اعتبارا من اليوم التالي . وقد صدرت عن حكومة عمر الرزاز سبعة عشر امر دفاع تنظم مختلف الامور الحياتية للمواطنين وما هو المسموح وما هو المنوع . وكان من ضمنها امر الدفاع رقم 2 الذي فرض حظراً شاملاً للتجول اعتباراً من 21 / 3 / 2020 وحتى اشعار آخر . الا ان هذا الحظر الشامل انهار سريعاً وذلك اثر ازمة توزيع الخبز وسُمح بالتجول النهاري ما بين الساعة العاشرة صباحاً وحتى الخامسة مساءاً سيراً على القدام مع فتح بعض المحال في الاحياء . الا انه ونتيجة للآثار الكارثية التي سببها هذا الحظر الشامل على الاقتصاد وعلى دخل المواطنين فقد تضمنت اوامر الدفاع التي تلت ذلك تخفيفاً تدريجياً على الحظر وسمحت باعادة العمل للمحال والمنشئات الصناعية والتجارية والمطاعم والمقاهي ضمن شروط معينة واهمها لبس الكمامات والقفازات والالتزام بالتباعد ومنع التجمعات لاكثر من عشرين شخصاً سواء في الافراح او الاتراح . وتم تحديد عقوبات وغرامات على كل من يخالفها . وكما تم اعادة فتح المطار ضمن اشتراطات معينة واستمر العمل بالمراكز الحدودية للشاحنات القادمة والمغادرة وان تسبب ذلك بتسرب وانتشار العديد من الاصابات بين السائقين ومخالطيهم . ولكن رغم ذلك بقي الوضع الوبائي ضمن الحد المقبول ومرت ايام بلا اصابات . الى ان جاء الشهر الثامن من هذا العام وحصل الخرق الكبير في مركز حدود جابر ومنه عاد الوباء للانتشار والتوسع الى ان بلغ ما بلغ عليه الوضع الآن وتجاوز عدد حالات الاصابة اليومية حاجز الخمسة الاف وبلغت حالات الوفاة يوم كتابة هذه المقالة ٦٧ حالة . صحيح انه قد يكون للحكومة والجهات الصحية والمختصة دوراً مباشراً او غير مباشر في هذا الانتشار ، وصحيح انه يقع على عاتقها اتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة هذا الوباء ومعالجة المصابين به وتطوير القطاع الصحي العامل على ذلك ، ولكني هنا سوف اتحدث عن دور المواطن في هذا الانتشار . ودور هذا المواطن يتحدد بمقدار الوعي الذي لديه بالتعامل مع هذا الوباء وكيفية تجنب اصابته به او نقله لغيره . فهل كان هذا الوعي موجوداً لدى المواطن الاردني بالقدر الكافي ؟
تحدثت الحكومة منذ البداية عن وعي المواطن وعن اعتمادها على هذا الوعي بالتصدي للوباء وقلتها منذ البداية ان الاعتماد على هذا الوعي لا يمكن الرهان عليه . وانا هنا لا اعني ان كل المواطنين الاردنين يفتقدون لهذا الوعي ، ولكن لو كانت قلة منهم لا يتوفر لديها هذا الوعي فأن اثر ذلك سيكون شديداً على جميع المواطنين فما بالكم اذا كان من يفتقدون هذا الوعي هم قسم كبير من الشعب الاردني وللاسف . والوعي هنا يتطلب بأن يدرك جميع المواطنين بوجود هذا الوباء و بخطورته وبالالتزام بكل التعليمات التي تصدر لهم للحماية منه وعدم المساعدة في انتشاره فهل فعلاً عملنا على ذلك .
منذ البداية استقبلت غالبية المواطنين هذا الامر باستخفاف وعدم الجدية وذهب الكثيرون الى مرحلة انكار وجوده فيما ذهب آخرون الى نظرية المؤامرة وبأن هناك جهات تعمل على نشر الوباء للقضاء على معظم البشرية ثم التحكم بحياة من تبقى منهم , او ان هناك مبالغات بعدد الاصابات والوفيات بهدف تحقيق مصالح سياسية واقتصادية . وان الحكومة الاردنية شريكة في هذه المؤامرة . ولذا لم يتم اخذ تحذيرات الحكومة بضرورة لبس الكمامات والقفازات والتباعد الجسدي ومنع التجمعات مأخذ الجد . حيث بقي الكثيرون يقيمون الافراح والولائم و المأتم ، كما ان الكثير ممن كان يطلب منهم الالتزام بالحجر المنزلي لم يكونوا يلتزمون بذلك واخذوا في التنقل من مكان لآخر وهم ينشرون الوباء بين الآخرين . وقد شهدنا عدة حالات من ذلك مما جعل الحكومة تفرض حالة منع التجول والذي تحول الى حظر جزئي للتجول . ولكن مع ذلك اخذت تظهر حالت متكررة من خرق لهذا الحظر بالرغم من صدور المزيد من اوامر الدفاع التي كانت تفرض عقوبات مادية وجسدية على مخالفي التعليمات .
ثم وعلى اثر الكارثة الاقتصادية ورفع الحظر والكثير من القيود على حركة المواطنين واعادة العجلة الاقتصادية الى الدوران انطلق المواطنون الاردنيون يتصرفون وكأن الوباء لم يعد له وجود بالاردن وكانه لم يزل يفتك بالعالم اجمع . وعادت التجمعات وعادت الحفلات والاعراس وبيوت العزاء . وعاد الناس يترددون على المطاعم وعلى الكافيهات والمولات والمحال والاسواق واقامة الحفلات في المزارع من غير التقيد بالتعليمات التي تتضمن القيود الموضوعة لهذه الاماكن وشروطها . ورافق ذلك حادثة حدود جابر وتسلل الوباء الينا بدرجة كبيرة تمثل الموجة الاولى الحقيقية له مما ادى الى سرعة انتشاره وارتفاع اعداد الاصابات به الى درجة كبيرة . وبالرغم من ذلك استمرت اعداداً كبيرة من المواطنين في تجاهلها لاتباع سبل الوقاية والاستمرار في التردد على التجمعات والقيام بالزيارات وعدم ارتداء الكمامات بالرغم من اننا وصلنا الى المرتبة الثانية في عدد الاصابات مقارنة بعدد السكان .
ولم ينحصر عدم الوعي عند هذا الحد ولكنه وصل الى عدم التزام بعض من يثبت اصابتهم بالفيروس بالحجر المنزلي وخاصة اذا لم تظهر عليهم اعراض الوباء فيخرجون ويختلطون مع غيرهم مما ساهم في نشر العدوى على نطاق واسع . كما ان الكثيرون من مخالطي المصابين لا يلتزمون بحجر انفسهم احتياطياً بل يختلطون مع الآخرين ويخفون عنهم انهم مخالطين لمصابين .
وليس هذا السلوك الوحيد لعدم الوعي عند البعض ولكن ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر معلومات كاذبة عن هذا الوباء والوصفات الشعبية لاكتساب مناعة منه او لمعالجته يساهم في زيادة اعداد الاصابات فيه من خلال ركون البعض الى هذه الوصفات التي لا تكون كافية لتجنب الاصابة به او معالجته في حال اصابتهم به .
كما ان المغردون على هذه الوسائل شغلوا انفسهم بالنقاشات البيزنطية واقتراح الحلول المعقولة والغير معقولة ولتي تكون دائماً على عكس ما تقوم به الحكومة بدلاً من العمل على نشر الوعي بين المواطني اتجاة هذه الجائحة وكيفية مواجهتها .
واذا لم يتم تدارك هذا الامر ، واذا بقي عدم الوعي هذا منتشراً بيننا فلن تستطيع الحكومة السيطرة على هذا الوباء حتى لو عالجت كل اخطاءها في التصدي له ولم ترتكب أية اخطاءاً جديدة . ومهما ملكت من امكانيات ومهما قامت به من مجهودات . وسنكون معرضين لهجمات جديدة لهذا الفيروس ولتصاعد متزايد في اعداد الاصابات والوفيات حتى تصيب كل بيت ولسوف يندم عدمي الوعي ساعتها اي ندم . فهل سيصل مستوى الوعي المجتمعي عندنا الى درجة تؤمن لنا الحماية من هذا الوباء ؟ والى ان يتحقق ذلك لا نملك الا ان ندعو الله ان يحمي الاردن وشعب الاردن ونظام الاردن.