تجاذبات العملية الانتخابية وتخوفات الساعات الاخيرة
فيصل تايه
07-11-2020 10:35 AM
المبدأ الأساسي في أي انتخابات نزيهة في انها معبرة عن طموح الناخبين، وان تأتي نتائجها تعبيرا صادقا عن ارادتهم الحرة دون أي إكراه، او أية ضغوطات مباشرة أو غير مباشرة من أي جهة يمكن لها ان تزيف هذه الإرادة، ومن الجيد ان تكون الهيئة المستقلة للانتخابات بمساعدة الأجهزة المعنية في الدولة، الأمنية وغير الأمنية، متيقظة لهذه المحاولات الخارجية للتأثير في الانتخابات وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لإحباطها.
الان ونحن باتجاه اليوم الموعود ومع اقتراب العد التنازلي للانتخابات النيابية في العاشر من الشهر الحالي، ترتفع سخونة المعركة الانتخابية التي تدور بتنافس شديد ، حيث ليس بغريب على بعض المؤلفة قلوبهم من المرشحين ان يسابقوا الزمن ويكسبوا الوقت الذي لم يتبقى على ولوجه سوى ساعات معدودات ، خاصة الذين يعتمدون على عروض الساعات الاخيرة وعلى قدراتهم المالية للجوء وللاسف إلى تقديم المساعدات والوعود والاعطيات المادية وغير المادية للناخبين ، محاولين تبريرها بالصدقات وأعمال الخير وبأي مسمى كان ، سعيا لكسب ألاصوات ، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها " الهيئة المستقلة للانتخابات"، في كل ما يسئ للعملية الانتخابية ، لكن البعض يمكن ان يمرر نواياه السقيمة مستغلاً ظروف الناس المعيشية الصعبة ، حيث ان هذا الاستخدام الفاسد للمال الاسود يمكن ان يؤثر بشدة على اختيارات الناخبين على أسس ليست موضوعية ولا نزيهة ، وهذا الاستخدام يدمر نزاهة العملية الانتخابية وعدالة المنافسة بين المرشحين ، وهذا الفعل العليل يمكن ان يقود إلى تزييف إرادة الناخبين ، بحيث يكون الفائز ليس معبرا حقا عن الإرادة الشعبية ، وفي المحصلة النهائية يمكن ان يقود إلى اختيار نواب لا يتمتعون بالكفاءة والمقدرة، وبالتالي إلى برلمان ضعيف لا يستطيع التعبير عن الطموحات الشعبية ولا خدمة المصالح الوطنية.
كذلك فان بعض الجهات أخذت تمارس دورا سياسياً موجهاً لصالح بعض المرشحين الذين يتفقون مع برامجها وسياساتها ، وبالتالي استغلت العمل الإنساني والخيري وجعلت القيم الدينية وأبعادها الإنسانية وسيلة إغراء ، تعرض المواطن للتطويع والتدجين والاسترضاء بالامتيازات أيا كان مصدرها ، عبر استغلال الصدقات والفرائض الدينية وجعله مالاً سياسياً ، ومن هنا تأتي المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الجميع من خلال رفض عملية استمالة الذمم من خلال كسب الأصوات ، لذلك فمن حق الجميع أن يعترض على توظيف هذا المال الاسود القذر في العملية الانتخابية خدمة لمستقبل هذا الوطن العزيز وأبنائه ، وكذلك فان هناك أشكال أخرى من إنفاق المباشر والغير مباشر تتعدى شراء الصوت بشراء الضمائر والسقوط في مستنقع التبعية ، وقد لا يعي المواطن عملية البيع ولا يدرك أبعادها ومخاطرها السياسية ، وقد لا يعي أنها عملية مقايضة بيع وشراء لضميره وكرامته وصدقه وأمانته ، وقد لا يعلم أن من يقبل بيع صوته ببضع دنانير أو لقاء "كيس رز أو مدفأه " بأنها في واقع الحال تحط قيمته الفعلية كإنسان ، فهو في هذا الواقع لا يساوي ثمنه أكثر من بضع دنانير أو كيس رز أو ما قايض عليه لقاء منح صوته أثناء البيع والشراء .
إن من الأسباب التي تدفع البعض لبيع ضمائرهم وإراداتهم هو قلة الوعي بمدى أهمية هذه الانتخابات ، ونتيجة للغياب الكامل لدور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية ، وغياب دور مؤسسات الدولة في عملية التوعية الدائمة لأهمية هذه الانتخابات في الحياة العامة ، حيث نلاحظ الجمعيات ومؤسسات الدولة تنشط فقط في المواسم الانتخابية وبشكل محدود ، عندما نجد المواطن عاجزا في خياراته الانتخابية بناءا على تحديد خياراته السياسية ، لذا تسود العشوائية في خيارات الناس الانتخابية ، فهناك من يحددها بناءا على خياراته المذهبية أو العائلية أو العرقية أو لقاء الرشوة وبيع الضمير أو حسب القيم الدينية والاجتماعية السائدة ، والنتيجة غياب الخيارات السياسية للمواطن في العملية الانتخابية ، فلم يعد هؤلاء المرشحين يأخذون في أنشطتهم ولقاءاتهم الفيسبوكيه بالمواضيع التي تهم الجميع ، وتحدد مستقبلهم مثل قضايا الفساد ، والمال العام ، والحريات ، وأسباب التأزم وآليات حلها ، وعن إفساد القوانين ، والعلاقات مع المحيط ومع دول العالم ، وتحديد هوية الدولة وعناصر نهوضها ، وعن التعليم وسيادة القانون ، وعن الاقتصاد والتنمية ومعدلات الوظائف التي ينتجها الاقتصاد الاردني سنوياً ، وعن العمالة الوافدة واللاجئين الذي خلق نمواً سكانياً غير طبيعي ، ومدى تاثيره على معدلات البطالة والنمو الاقتصادي ، وتأثيراتها على البنية التحية وعلى مقدرات البلاد والعباد ، بدلاً من دغدغة العواطف الدينية والأسرية والعشائرية والمذهبية والعرقية، وجعل الناس في حالة ترقب واوهام يصعب تحقيقها .
ونحن في الساعات الاخيرة يجب الالتفات الى ان اي استخدام للمال الاسود يقوض التجربة الديمقراطية ويقف عارضاً امام صعود طبقة لا تستحق ، ما دام البعض يمتلكون أداوت المنافسة غير الشرعية ، واضفاء طابع الشرعية عليها وايهام الناخب بطرق شتى وتحقيق هدفهم في حصد أكبر عدد من المقاعد ، وهو امر يشكل خطورة كبيرة جداً يحتاج الى اجراءات حكومية ورقابة شعبية عبر كافة الوسائل ، ذلك بتعزيز رقابتها وتقديم العابثين بإرادة الناخبين للقضاء، وإلغاء ترشيحهم، إذ يجب أن لا نبقى في طور الحديث عن حالات شراء ذمم لناخبين دون تقديم المتورطين للعدالة ، فالحل لا يكمن في التحذير من شراء الأصوات ان تم ضبطها مع سبب الاصرار والترصد دون حلول واقعية ، ومحاكمة المتورطين ، بل يجب اتخاذ خطوات سريعة، لإعادة الاعتبار للعملية الانتخابية وعدم ترك أولئك المتاجرين بإرادة الناس يصولون ويجولون بيننا ويعبثون بإرادة الناخبين ، ومتابعة صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة ، ورصد تحركات المشبوهين لإدانتهم ، لأن بقاء أولئك يعني فشل العملية الانتخابية ، فهم يعبثون بإرادة الوطن ، ولن نسمح لهم بكل الاحوال تغيير ارادة المواطنين .
واخيرا فان ما يخشى منه ونحن في الساعات الاخيرة باتجاه فتح الصناديق والبدء بعملية الاقتراع ، ما نعيشه من حالة وبائية صعبة وظروف اقتصادية اصعب ، والذي قد يسوقنا الى توقعات تدني نسبة المشاركين في العملية الانتخابية ، وهو الأمر الذي يجب تداركه ومعالجته والتنبؤ بالتدخل الوجستي لزيادة الدعم ، وبث رسائل اطمئنان لكافة المواطنين تتضمن صوابية الإجراءات المتخذه في سبيل الحقاظ على صحة السيد الناخب ، كذلك يجب ان نلتفت إلى استهتار بعص الناخبين اضافة الى الفئات غير المُبالية بالعملية الانتخابية ، وهذا يعود بالأساس إلى فقدان الثقة بمجالس النواب السابقة ، وشعور بعضهم أن إرادتهم لا يمكن أن تظهر بما يمكن ان تفرزه هذه العملية ، وهذا يقودنا إلى أهمية التصدي للاشاعات ، والتركيز على نزاهة الانتخابات وشفافيه الموقف الانتخابي على كل الصعد خاصة في التعامل مع الطوارئ ، والالتفات الى كل العابثين والتعامل معهم دون تهاون ، اضافة الى ضرورة قيام الحكومة بكل مؤسساتها بخطوات عملية لتعزيز المشاركة الشعبية ، فزيادة نسبة الاقتراع مرهونة بالنزاهة والشفافية.
بقي ان اقول .. من اليوم وحتى الثلاثاء العاشر من الشهر الحالي ، تمثل أمام الجميع مسؤولية كبيرة ، والدولة بكل أركانها، معنية بزيادة نسب الاقتراع بالشفافية والنزاهه واكساب المواطن ثقافة تضرب بعمق وجدانة من خلال إقناعه بضرورة المشاركة ، وهذا يعني بالتاكيد عدم ترك " الهيئة المستقلة للانتخابات " وحدها في الميدان ، وإنما يجب من الجميع العمل على تعزيز المشاركة ، بالتفاعل المباشر مع صناديق الاقتراع ، فالكل سينتخب الاردن لان انتخابه هو انتمائه .
والله ولي التوفيق