سُئل المفكر المصري البارز د. أنور عبد الملك ذات مرة في حوار أُجري معه عن نوعيات المثقفين في العالم وبخاصة في عالمنا العربي، فأجاب محاوره "يمكننا ان نميّز فئتين من المثقفين، هناك من جهة أولئك الذين ترتبط فعاليتهم الثقافية بتكوين اجتماعي محدد، أي بطبقة او بفئة اجتماعية او بأمة..، والذين يلتزمون طريقة في معالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية انطلاقاً من موقف". وقد حذا حذو "غرامشي" باطلاق صفة "المثقفون العضويون" على أمثال هؤلاء.
أما النوع الاخر من المثقفين فهم "التقليديون" وقد وصفهم أنور عبدالملك في كلمات دالة ومعبرة عن طبيعتهم: "هم من يكون بحوزتهم الحقيقية الموضوعية التي هي في أغلب الأحوال مسألة تكويم بطاقات، أي انها مسألة سلوك وضعي" (د. انور عبدالملك "الفكر العربي في معركة النهضة"، دار الآداب، بيروت ص 128)
وصف أنور عبدالملك هؤلاء "المثقفين" الذين يعرفون "الحقيقة" ولكنهم لا يعترفون بها بِ"الدجالين". (الكتاب ص 129)
أما "المثقفون العضويون" فهم الذين يلتزمون بموقف اجتماعي لا يناورون أو "يتقنّعون" على حد تعبير هذا المفكر.
يأسف أنور عبدالملك حين يتضح له ان شريحة من العرب تعتبر "المثقف التقليدي" هو "المثقف"! يطالب هذه الشريحة -وهي شريحة واسعة- "أن ترى الاشياء كما هي جيداً". (ص 128)
ومعنى ان ترى جيداً، ألاّ تخلط الأمور، فهذ المرتبط "من حيث ثروته الشخصية بطبقة اجتماعية محددة تماماً" يُسبح بحمدها ويرى سيئاتها حسنات لا يمكن ان يكون -في نظر هذا المفكر- مثقفاً حقيقياً، هو "موظف" وليس كل "موظف" مثقفاً!
واذا كان لا يوجد -كما يشير أنور عبدالملك- "مثقف بإطلاق" فإن من الضروري ان تُحدد مسؤولياته، ان يرتبط موضوعياً بقضية اجتماعية ذات طابع انساني يدافع عنها.
وعليه -وكما ارى- فهذا الذي لا يرتبط بقضية انسانية واخلاقية لا يجوز ان نزعم انه "مثقف".
المثقف الحقيقي او "العضوي" له رسالة -شئنا ام أبينا- رسالة تؤدى بشفافية وأمانة.
المثقف الحقيقي -وكما وصفه أيضاً زكي نجيب محمود- هو "من يختار حياة فكرية حقيقية تنبض بمشكلاته وأزماته وما يُقترح لها من منافذ للنجاة". وليس ذاك الذي يدير ظهره لهذه القضية باحثاً عن الجاه والثروة!