الأرض والعرض واحد حينما يلفظهما أجنبي ، كما يلفظ كلمة (عربي) بقوله أربي ، صدفة هي ، ولكن دلالتها أكثر من ذلك ، الأرض اليوم سلعة تُباع وتُشترى لدى الكثيرين ، لكنها لدى الحاجة أم كامل الكرد ليست كذلك ، هذا طبعا ليس صدفة ، أم كامل الكرد امرأة فلسطينية تحولت في وجدان الكثيرين إلى رمز وطني يُحتفى به ، أم كامل نذرت نفسها للاحتفال الدائم بيوم الأرض ، عبر تحولها إلى داعية تجوب الأرض لشرح قصتها ، التي تختزل قصة فلسطين كلها.
(كان) منزل عائلة الكرد يقع ضمن إسكان حيّ الشيخ جرّاح ، وتسكن فيه العائلة منذ عام 1956 وعند تنفيذ أمر الهدم كان يقطن في المنزل أم كامل الكرد وزوجها المسنّ المقعد وأبناؤههم الخمسة وعائلاتهم. لجأ بعض التجار اليهود ، إلى محاولة شراء المنزل من العائلة بمبالغ خيالية. تقول أم كامل: أغرونا بالمال لدرجة غير معقولة ، حتى أن أحد التجار اليهود عرض علينا مبلغ مليوني دولار لشراء البيت ورفضنا ، فيما عرض علينا وزير السياحة الإسرائيلي السابق عامي بن ايالون 15 مليون دولار كي نبيع منزلنا ورفضنا ، ولم نقبل أن نورث العار لأبنائنا،.
بدأ صراع أم كامل الكرد وعائلتها مع المستوطنين منذ العام 1998 ، وفي 9 ـ 11 ـ 2008 فوجئت العائلة بعشرات جنود الاحتلال يطرقون بابهم فجراً ، وأجبروهم على إخلاء منزلهم فخرجوا جميعاً وأكملوا ليلتهم تلك في العراء ، تصف أمّ كامل الكرد المشهد قائلةً: ما حصل اليوم هو حرب على رجل مقعد وامرأة مسنة ، ولقد صعقت عند مشاهدة الآلاف من الجنود في ساحة منزلي ، وعندما رفع جنود الاحتلال الأسلحة في وجهي ، وكأني قمت بعملية إجرامية وأخرجوني من المنزل بسحبي بالقوة من يدي ودفعوني إلى خارج المنزل دون أن أرتدي الحذاء ودون أن آخذ الدواء الخاص لزوجي المسن ، وبعد أن أخرجونا قالوا "إننا المنتصرون على العرب" وأخذوا يرقصون ويُغنّون داخل المنزل مردّدين "الموت للعرب"،،.
بعد الإخلاء رفضت عائلة الكرد مغادرة ساحة المنزل وأقامت فيها خيمةً للاعتصام ، وفي 20 ـ 11 ـ 2008 هدمت قوّات الاحتلال خيمة الاعتصام التي أقامتها العائلة ، بحجّة أنّها مقامة على أملاكً عامّة بعد أن طرد العائلة من بيتها بالقوّة أصيب أبو كامل بنوبةْ قلبيّة ، لكنّه رفض مغادرة ساحة البيت إلى المستشفى حتّى لا يموت بعيداً عن منزله ، وبعد أسبوعْ من إقامته في الخيمة تفاقمت حالته بشدّة ونُقل إلى المستشفى ، بعدها بستّة أيّام توفّي أبو كامل الكرد ، تقول أم كامل بحسرة "كنت عنده ، تناول الطعام وحلق ذقنه وسألني: عندما سأخرج من المستشفى أين سأعود يا فوزية؟ لقد أخذه الله ، ما لم يجده على الأرض سيجده عند الله،.
أم كامل الكرد هاجرت من يافا إلى القدس ، وبعد ستين عاما عاش الجيل الثاني من عائلة الكرد النكبة بمأساة جديدة من الطرد والتشرد والموت أيضا ، ولكن بلا استسلام ، وبإصرار على المقاومة ، كم أم كامل لدينا في هذه الأمة؟ ليتها كلها أم كامل،.
الدستور.