كان شكلي بعد التوجيهي يرثى له، وزني 58كغم قائم - مع الحذاء والزنار طبعاً- عيناي جاحظتان بسبب النحافة المبالغ بها، (كشّة) كثيفة على الجبين تشبه الى حد بعيد (رأس الزهرة)، شوارب متفرّقة وغير متّصلة..وصوت متشعب منخفض ، واحلام نحيلة تحيط بهذا الجسد النحيل كهالة الضوء.
كان أكبر أحلامي أن أجلس في كرسي مفرد في الباص..لأظفر بنافذة اشاهد فيها الطريق والناس والبيوت المحاذية التي تمشي بسرعة كمن يدوخ في دولاب ملاهي- دون ان (يتجبّر) بي الكنترول ويجلس فتاة او عجوزاً مكاني وأرجع خامساً في الكرسي الخلفي- لقد فعلتها في أول رحلة..وجلست في الكرسي الثاني المفرد..وتمتّعت بالمشوار كاملاً دون ان ينغص علي أحد..وتجاهلت نظرات الكنترول منذ البداية عندما أخرجت نكّاشة أسنان ووضعتها بفمي لأوهمه بأني (أزعر) و(كبّاب شر)..
نزلت من الباص عند اقرب نقطة للسوق وأكملت الطريق راجلاً...قلت في نفسي الآن أمضي نحو تحقيق حلمي الثاني (ان اشتري ربطة عنق) سأتصّور بها في أوضاع مختلفة، صورة شخصية للمعاملات ، وصورة أخرى وأنا أضع يدي على خدّي ، وثالثة وأنا واقف وخلفي تظهر صورة للغروب مثل المرحوم طلال مدّاح .. مررت من أمام المحلاّت.. لم يأبه بي أي من الباعة...بطّأت من مشيتي علّ أحدهم يقول لي (تفضّل ابو الشباب)!!(فوت جاي خالي) .. (عندنا موديلات جديدة)!! لا أحد...عادة يفعلون هذا مع المارة..ما الذي ينقصني يا ترى؟ ربما لأن جسدي النحيل لم يكن لافتاً؟؟.
معظمهم يقفون امام محلاتهم متعطلين لاصطياد زبائن محتملين...لم يجدِ المرور من امامهم - بتباطؤ شديد- نفعاً..وقفت امام أحد هذه المحلات...اعدت ترتيب قميصي داخل بنطالي وبدأت بطي الأكمام لكسب الوقت وليلمحني صاحب المحل ..فعلاً..قالها الرجل بتكاسل ومن شفاه (رخوة) مندلقة (تفضّل ابو الشباب)..كدت (ابوس يده) لأنه (عبّرني) اخيراً..طلبت منه ربطة عنق بتلهّف وارتباك..كمن يطلب كوب ماء ..لف علاّقة الربطات..ثم سألني عن لون القميص..قلت له اخضر فاتح..لم اكن املك هذا اللون، فقط..كنت اريد اظهار..جديتي..وثقتي باختياري...تناول ربطة حمراء منقطة..فاصلته بالسعر وعدت بها الى البيت..
جهة قصيرة وأخرى طويلة..اطوي هذه على هذه..ثم ادخل هذه في هذه...لا..لا تبدو طويلة مثل (حبل المشنقة) ساحلها وأبدأ من جديد،طيب اطيل هذا الطرف وأقصر الآخر ..لا..لا.. هكذا ابدو مثل المهرّج.. نصحني أخي الأكبر أن اربطها على ركبتي، ثم انقلها الى رقبتي،لم انجح لأن مقاس الركبة التي تجثو لا يمكن ان يكون على مقاس الرقبة التي ترنو..
***
منذ ذلك التاريخ وأنا أحاول .. موازنة طرفي معادلة (الصمت والضمير) حول عنقي دون ان ابدو مشنوقاً او مهرجاً..ومع ذلك ما زلت أفشل..
ahmadalzoubi@hotmail.com
الراي.