لنا كالناس أعمار .. ستنفرط
رنا شاور
31-03-2010 05:32 AM
كحق الحالمين بالتجربة، نخوض الحياة. كقصص كاذبة يسردها مسافر جاء من البعيد، نكتشف زيف بريقها كلما اقتربنا من نهايتها. وبعد أن تدفع ثمن الرحلة لتبدو كأي انسان منهك، تنجلي ثمة حقيقة واحدة، إنها القناعة التي تزور متأخراً والحكمة العتيقة التي لم يصدقها أحد: «لا شيء يستحق».
الحياة مشوار وهذا الطريق يمتد بتعب طويل. و سنوات الكرّ أضاعت تأملات لم تقرأ بعد، وطوى الوهن قصة الفجر التالي.
يكتمل الوعي وتبلغ أشدك كل يوم.. لكن الوقت كفيل بتحنيطك في قوالب لا تتسع لآمالك. تضيق النفوس كلما أوغلت في اكتشافها، ولؤم الطباع انكشف لمّا سقطت ورقة التوت عن طبائع البشر.
هل نركض لكي نكبر؟ أم أننا لا ندري إلى النضج أو إلى الفناء نسير. نراكم العمر لاهثين أحيانا ً كثيرة، أو فرحين ضمن حيّز ٍ لن يمنح الكثير.
نعاظم البكائيات على الحاضر، ونلعن البشر والحجر والشجر. ننمي حالة الاستعداد والاستعداء لغد مليء بالأسئلة، فنفرط في اجترار الأمكنة الضائعة وطلل الحكايا المسكونة بنواقيس الدهشة. وكأن في اجترار الذكرى تنبيه لنا أن ماضٍا حميما تسرب في غفلة منا. هل الحقيقة أن ماضينا كان الأجمل ؟، هل كان أنبل؟. أم هو القلب المنهك يتقلب بين فجر ٍ وليل، وليل وفجر، فيروح يغترف من الصور البعيدة كلما فاجأته العتمة.. أو كلما اقتصد الدهر من مواسم الحصاد.
كمسبحة في يد منافق تكرّ الأيام.. نسقط لكي ننهض أو نسقط لنعاود السقوط. نخسر مرة لننتصر أو لنخسر مرة ثانية، وننام لنصحو أكثر قوة أو أكثر بلادة.
ويظل الإنسان، مهما نسي، مشروع فناء تائه في الزحام: كثيرون قبلنا وكثيرون بعدنا.
إنه عالم متصل، فلماذا ننسى أن لنا كالناس أعمارا ً ستنفرط يوما ً كحبات العقد؟. إنه عالم متصل، وهذا جسدك المنذور لأديم الأرض سيرحل، في غفلة منك، لجوفها. كثيرون قبلك وكثيرون بعدك، ونتوه من جديد في الزحام.
يا الله.. لا تجعلنا ممن أحب الخلق ونسي الخالق.. ممن أحب المال ونسي الحساب.. ممن أحب القصور ونسي القبور، أو ممن أحب المعصية ونسي التوبة.