هل نحن في مأزق ام اننا نعيش في مازق كبير؟ وهل ترسخت فكرة الناس عن خطورة فيروس الكورونا في اللامبالاة رغم هذا العدد الهائل من الموتى والكم الهائل من الاصابات . وهل صورة التحدي الذي يواجهها الاردن تجاه هذا الفيروس لم تصل لحقيقتها , وهل هو تقصير المواطن ام تقصير الحكومة ام الاعلام ام جميعها مجتمعة.
الواضح ان هناك فجوة كبيرة بين ثقة المواطن واجراءات الدولة، ودليلنا التباطؤ في تنفيذ قرارات الدفاع خاصة ونحن نشهد حالة مضطربة من تطور النتائج السلبية لهذا الفيروس. فمن الملاحظ ان القطاعات الوطنية تعمل كل لوحدها وحسب مصلحتها دون النظر الى الامام برؤية حقيقية لما ستؤول اليه الحالة, والى ما سنخسره جميعا وبلا استثناء.! لم ينظرو الى خسارتنا لانفسنا ومقومات دولتنا, وقواعد مسيرتنا وبالتالي خسارة كل شيء, فالقطاع التجاري يحارب من اجل النظرة الاستثنائية، والقطاع السياحي يحاول التملص من واقع وحقيقة الاجراءات اللازمة والقطاع الصحي الخاص وجد هذا الوضع فرصة للانقضاض على جيب المواطن, متعاملا مع الوضع وكأنه من خارج الوطن. والقطاع الحكومي بدأ يكشف عن ضعفه وعدم جاهزيته لمثل هذه الحالات والظروف، رغم ثوبه الابيض الذي لبسه مع بداية الازمة؟ لكنه بدأ يتراجع رغم كل التجارب العالمية التي مرت امامنا واكتفى بصراع الاضداد والسباق نحو المناصب بعيدا عن واقع استراتيجي يحمي اولا ابنائه ويعظم قدرته ويرفده بكوادر قادرة على مواجهة الحالات القادمة ويسخر بقوة كل مفردات القطاع الصحي العام والخاص، وآلاف الخريجين في هذا المجال لتشكيل جيش كبير يستعد وضمن استراتيجية لمواجهة الاسوأ..
لم يقم الاعلام الاردني الرسمي وشبه الرسمي بالدور المطلوب لانه ينتظر الاوامر , خائفا مرتجفا يضع دوره ومسؤوليته على الرف وينتظر التعليمات حتى يقوم بما هو اساس عمله وحقيقة وجوده, لم نجد اعلامنا يقود الاستراتيجية ويكشف بواطن الخلل ويعظم الانجاز, لم نجد اعلامنا يقول ما يقوله الناس وينزل اليهم ليبين ما هم فيه وبماذا يعانون وكيف ينظرون, فهم الاساس الذي يعاني ويواجه ويتحمل النتائج , آلاف الملاحظات والشكاوى التي يطلقها الناس عبر وسائل النت, وبعض الاذاعات، ولكن اذن من طين واخرى من عجين, فرغم وجود كوادر الاعلام المشهودة والخبيرة, فما زالت راكدة على راسها الطير تخاف على لقمة العيش!. فلماذا تحول جيش الابداع في هذه المؤسسات الى كوادر عاجزة لا تقدر على فعل شيء؟ خاصة بمثل هذه الازمة التي تحفز دورهم وتعظم مسؤوليتهم؟ . لم نجد اعلامنا يقود حملة التوعية الحقيقية لتطبيق الاجراءات الصحية, لم نجد جهودا صادقة مقنعة وموضوعية, تحاكي وجدانيات الناس وعقولهم من الخطر الداهم الذي يستشري بعنف. لم يكن اعلامنا ولن يكون في يوم من الايام مجرد استعراض شخصيات وترويج لافراد بعينهم باسم المصادر. والاكتفاء بهم . فالاعلام اجل واعظم من هذا الاداء باعتباره وسيلة معرفة وتوعية وتربية وتعليم وتنمية وتثقيف, وتسلية وترفيه ..الخ بل قائد حقيقي للراي العام وموجهه وصديقه. لم نجد ذلك في اعلامنا ووجدناها في بريطانيا التي توافق مجتمعها بكل مكوناته على قرارات الحماية والوقاية بغض النظر عن الاضرار وآراء القطاعات, وذلك لاحترامهم للانسان وتقديسهم لحياته ولروح التماسك البنيوي للعقد الفريد بين الشعب والحكومة. والذي قاده الاعلام باعتبارها مسؤوليته ، حيث تراس موقفا وطنيا انسانيا اتفق عليه الجميع ، بل خضع له الجميع . لم نجد مثل هذا في اعلامنا المقزم ، لم نجد ولو صوت واحد يقول احموا الناس من شر الانتخابات واختلاط الناس بها , عالجوا هذه الاعداد الكثيرة وحجموها ثم تعاملوا مع الانتخابات باريحية , فسلسلة العدوى جراء 100 مصاب غير سلسلة العدوى من 10 خاصة وان الناس في القرى والاريف ما زالوا يلهثون ويتنافسون بحدة تجاه هذه الانتخابات فما ستكون النتائج لا قدر الله.! .
كان الاساس بناء نقاش عام عبر وسائل الاعلام واستعراض عام لكل الاحتمالات وبعدها اتخاذ القرار الانسب من الحكومة وخلية الازمة. لا ان تتخذها الحكومة وحدها وفق ضغوطات سياسية او تخوفية؟! او النظر لمن سبقونا ممن وصلت منظومتهم الصحية الى درجة متقدمة.
اعلامنا هو المسؤول عن هذا الحراك وهذا الحوار وهذا التفاعل, ولكن اين هو الاعلام واين اقطابه، واين ادواته؟ ولماذا ما زال اعلامنا بلا ثقة؟ ولماذا تعزز الحكومات هذا التراجع بمؤسسات الدولة الاعلامية وبادارتها للملفات الساخنة وبعدها عن الموضوعية والدقة والشمولية.
اين ابداعية التعامل وتحمل المسؤولية الاعلامية تجاه تحديات كورونا, فما زال اعلامنا كلاسيكي مكرر لقوالب تركها الزمن والعالم من زمان سحيق. لم نجد شجاعة تقفز للشارع العام وتنقله بكل تفاصيله بواقعه ومعطياته وآرائه الصريحة العفيفة، لم نجد اعلامنا يتعامل مع مشكلة كورونا بمنظور اعلامي علمي حقيقي يحترم فيه عقلية المواطن المتابع الشغوف لمعرفة ما يجري وماذا سيحل به وباسرته. لم نجد في الاعلام استطلاعا حقيقيا وتكثيفا للاراء لمعرفة اولوية المواطنين في ما يتخذ من اجراءات ووجهات نظرهم التي ستساعد المسؤول في اتخاذ القرار! لم نر اعلامنا يبحث بعمق نتائج القرارات على ارض الواقع ونقاط قوتها وسلبياتها حتى يتسنى للمواطن والمسؤول معرفة طريقة مسيرته واتجاهه ويتخذ القرار الانسب, لم نشهد من اعلامنا التركيز على شمولية الاراء وموضوعيتها بعيدا عن سلوكيات التلميع واستعراض اناس بعينهم يترددون في السراء والضراء دون ان نجد لاقتراحاتهم اي معنى اوجدوى. ما زال قالبنا الاعلامي مكبل ومتردد, وما زالت نماذجه تقليدية لم تخرج عن صور الاستعراض والسطحية رغم وجود الكوادر الشابه المبدعة القادرة على التعبير عن واقعهم وحقيقة الناس والجمهور الذي يتطلع للشيء الجديد.
فهل اعلامنا مقصر بحق الشعب والحكومات ومتخذ القرار, ام ان الحكومات هي المقصرة, ام ان الشعب هو المقصر ولم يدرك ان عليه هو المبادرة. والجواب بكل تاكيد يؤخذ من ما حصل في امريكيا وبريطانيا في توحد الجميع نحو المصلحة العليا للدولة التي يكون الانسان فيها هو الاساس. فلا تلوموا النت, ولا العالم السيبراني الاردني, فكله تنفيسات لم تقم على التنمر بل عل التنفيس من حالة اصبحت اشبه بالضياع والذهاب للمجهول؟