في رثاء المحامي الاستاذ "يحيى السعود"
فيصل تايه
04-11-2020 09:24 AM
ايها الراحلون على عجالة هل تعلمون ان للموت جلال ، كما له مرارة وألم وشعور بالغ بالفقد ، فنحن وحدنا من تمتد بهم الحياة نبكيكم ، ونذرف الدمع في وداعكم ، أتعلمون لماذا يثير الموت هذه الرهبة الكبرى؟ ولماذا نبكي الراحلين الكبار وقد امتدت بهم مراحل أخرى لمحطات أخرى انتظاراً لحياة أخرى ، ونحن سائرون إليها شئنا أم أبينا؟
اننا لا نبكيهم لأنهم رحلوا ، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا وحدنا ، في معترك الحياة القاسية ، التي نحتاجهم فيها ، فكل آلامنا ودموعنا وفراقنا وقلقنا لأننا لن نراهم بعد اليوم في دنيانا ، وقد كانوا بعض سلوتنا وجزءاً من حياتنا أو بقية من رفاقنا النبلاء ، إننا نبكي حالنا من أجلنا نحن ، ومن اجل الوطن ، لأنهم رحلوا، فلن يشعروا ببكائنا، ولن يستعيدوا شيئاً مما مضى ، ولن يكون بمقدورهم أن يصنعوا شيئاً لأنفسهم أو لنا ، فالامر اننا جزعنا بفقدهم ، وانطفأت شموعهم من حياتنا، ولأن رحيلهم إعلان كبير بأن قطار العمر ماضٍ ، والأيام حبلى والقدر محتوم ، وللموت جلال أيها الباقون .
"يحيى السعود" ، الذي فارقتنا روحه الشفافة الصافية ، رحل وترك فينا صدمة موجعة ، رحل العصبي الحنون ، والبلدي الأليف الذي كان يضحك كمحارب ، المخلص الفخم بعلاقاته مع محبيه ، والجرئ بلمحاته البلدية النقيّة ، رحل المعلم في الدفاع عن حقوق الوطن والمواطنين ، الناصع الذي سنفتقده ، مات المستفز الطيب ، والكئيب الشهم الذي كان يمنح الأمل لكل ابناء وطنه .
"يحيى السعود" عرفناه عن قرب ، فيه من الكبار العبقرية والخبرة ، كان حكمة تتحرك على الأرض وإحساساً يتوجع ، رحل بصفته أجمل رابح وأجمل خاسر عرفته ، وقد قضى حياته في استذكار الجميع وفي عقلة وفكره كل الشرفاء ، رحل القامة الباسقة ، فكان واضحاً وضوح الشمس ، ومتشنّجاً تنتظره الأمنيات مكلّلة بهمومه القديمة والجديدة معاً ، رحل وقد عاش حياته ينقد بحب بالرغم من التعب المكدّس في زحمة أيامه ، وابى الا ان ان تكون حبيبته "الطفيله" مشواره الاخير .
يحيى السعود .. الشامخ بكبرياء ابناء الاردن الشرفاء ، كان راية الحق تحت قبة البرلمان ، راية القوة والعزة والكرامة ، وكان الوطن بذرة تسكن في قلبه فتزهر ، وتنمو حباً وعشقاً عظيمين ، عشق تراب الاردن وهوى الاردن الذي اختلط بالدماء التي تجري في شرايينه ، فكان في ثقافته ان الوطن هو الإنسان والإنسان هو الوطن ، وكان الوطن قصة حبه وتلاحمه الأبدي مع أبناء شعبه الاردني الوفي ، فكان "طيب الله ثراه" حالة فريدة ترسخت فيها تاريخاً ملؤه الرجولة والفداء والتضحية ، وأحب ان يجدد ولاءه لوطنه ويخدم الناس ، لكن ارادة المولى عز وجل اقوى من الجميع .
يحيى السعود .. الراحل الذي لا يشابهه احد ، هو المتأصل في أيامنا القادمات ، كما من الصعب محاكاته ، فهو من كان أكثر عطاء وتنوعاً وتميّزاً في كل المجالات ، فكنا نرى فيه الانسان والاب والابن والمفكر والوطني والسياسي وليس المحامي فقط ، رغم أنه الحالة الاستثنائية الفاعله داخل الشكل الكلاسيكي لمجلس النواب على مختلف دوراته ، وهو المأهول بالتفرد الساطع والمثير في عرش الروح الجمعية، ستبقى له الأهمية القصوى في الضمير الجمعي بالتأكيد ، ليس لأنه صوت الحب الخاص فقط وصاحب مزاج خصوصي جداً في الفكرة والموقف ، على أنه “الواحد الذي لا يتكرّر” كنائب وطن وكمثقف وكرجل لا يخشى في الحق لومة لائم ، فهو قانون أخلاقي في الثقافة المعاصرة والدفاع عن قضايا الامة وعلى راسها القضية الفلسطينية ، سيبقى في رؤوس محبيه كقيمة دائماً ، كما ستظل قيمته تنمو وتتطور على مدار الحلم.
المهم من الان ، تأمين قوة إحياء الأهداف التي قضى يحيى السعود دونها حياته ، ونحن تحت ظل حالة افتقادة الموجعة ، نجد أنفسنا أكثر من أي وقت مضى بأمس الحاجة إلى الإقتداء بنهجه الشريف ، والسير في الدرب الذي أناره ، خاصة لضمان مستقبل آمن الاجيال القادمة ، ونحن إذ نذكر مناقب الفقيد نتوجه بالتعزية لاهله ومحبيه وإلى كل الشرفاء في أرجاء وطننا الغالي الذين يشعرون بالفخر والاعتزاز بأبنائهم الغيارى ، ونعدهم أن يبقى نهج أبنائهم الذي تركوه فينا مرفوعا خفاقا .
واخيرا .. يا أيها الوطن الذي تحتضن العظماء اطبق عليه من حبك ومن ترابك الطهور ما تقر بيه عينة ونفسه وروحه يا من امتزجت روحك بأرواحنا حتى نموت .
فالى رحمة الله ايها الوطني الحنون الشهم " يحيى السعود " والفاتحة منا ومن كل محبيك وكل من عرفك ..
أسال الله أن يتقبله في عليين ..
وانا لله وانا اليه راجعون