خلال الثلاثين عاما الماضية من عمر مجالس النواب ظهرت المقاطعة اول مرة عام 1997 عندما قرر الإخوان المسلمون مقاطعه الانتخابات ووضعوا مجموعة أسباب منها قانون الصوت الواحد الذي شاركوا وفقه في انتخابات 1993، لكن قصة المقاطعة آنذاك كان لها أسباب أخرى وهامة غير معلنة داخل الجماعة.
وتكررت عملية المقاطعة من الإخوان مواسم أخرى، لكنهم عادوا بعد كل مقاطعة للمشاركة، فإذا كانت المقاطعة رسالة فقد وصلت وأن كانت وسيلة ضغط او محاولة لإفشال الانتخابات فلم يحدث هذا.
اليوم نحن على أبواب إجراء انتخابات نيابية، وكل الأحزاب القادرة على المشاركة موجودة، لكن ما نسمعه من حديث عن المقاطعة لا يمكن اعتباره مقاطعه لأنه يمثل أفرادا وليس قوى سياسية أو اجتماعية، وهذا يمكن اعتباره عزوفا او لامبالاة او عدم قناعة بالعمل النيابي وقوته.
هذا الأمر طبيعي ولا يبعث على أي قلق من ناحية نجاح او فشل الانتخابات لكنه يحتاج من الدولة إلى معالجة او تخفيف، ففي كل انتخابات في العالم هناك نسب للتصويت في معدلها العام ما بين 40-60%، فهناك ما بين نصف المقترعين إلى الثلث لا يذهبون إلى الصناديق لأسباب مختلفة تتعلق بالاهتمام والقناعة او الانشغال او ظروف صحية، لكن هذا لا يعني فشل أي انتخابات او عدم شرعية المنتج السياسي لهذه الانتخابات في أي دولة.
وفي بلادنا قد تتشابه القناعات مثلا بأداء مجلس النواب وعدم قدرته على خدمة مصالح الناس لكن ذات القناعة تجعل شخصا يمارس العزوف عن الاقتراع وتجعل آخرين يذهبون الاقتراع في محاولة لاختيار من يمكنه فعل شيء.
طبيعي وليس مقلقا ان يكون هناك عزوف في أي انتخابات في العالم، مع ان الأصل هي المشاركة؛ لأن عدم المشاركة ليست عقابا للدولة، فمن يعتقد أن المجالس الضعيفة تخدم الحكومات فإنه بعزوفه يخدم الحكومة بالمساعدة على فوز الضعفاء.
الأصل هي المشاركة لأنها حق للمواطن، لكن عزوف فئات من المجتمع ليس مصدر قلق، فهو طبيعي في كل المجتمعات، وهذا يختلف عن أي عمل منظم لإفشال الانتخابات فهذا أمر مختلف.
ومثلما هنالك من لا يريد التصويت فهنالك من له مصلحة وقناعة لأسباب اجتماعية او سياسية أو شخصية او مصالح، وفي نهاية المطاف تتم الانتخابات ويكون المجلس الجديد.
ما يجب فعله ان لا نذهب إلى التطرف في التعبير عن قناعتنا، فالبعض يكون حازما في العزوف لكنه بعد زيارة مجاملة من شخص قريب يشارك وربما بحماس، ومن يعزف اليوم قد يكون في موسم قادم جزءا من حملة لمرشح من حزبه او من عشيرته، فالأمر لا يدعو للقلق او التوتر.
ولنتذكر ان الإخوان المسلمين وهم الحزب الأهم انتخابيا قاطعوا عام 2013 وحرضوا على المقاطعة وعادوا في عام 2016 للمشاركة وحرضوا على المشاركة مع ان الأردن هو الأردن ومجلس النواب لم يتغير.
مجتمعنا واضح المعالم، وكلنا نتمنى أن تكون مجالسنا قوية ذات أداء اقوى لكن الحل ليس بإغلاق المؤسسات الدستورية إلى أن يتحسن الحال، ونتمنى أن نكون جميعا يوم الاقتراع لكن هكذا هي كل انتخابات العالم فيها نسب اقتراع وليس إجماعا على الاقتراع.