هل يكرهوننا لأننا مسلمون .. ؟
حسين الرواشدة
03-11-2020 12:51 AM
ألهذه الدرجة أصبح المسلمون منبوذين في العالم ؟ هذا السؤال ليس سؤالا استنكاريا فقط، وإنما استفهامي أيضا، كما أنه لا يتعلق فقط بالتصريحات العنصرية التي أطلقها الرئيس الفرنسي مؤخرا، وإن كانت صادمة ومستفزة، وإنما بحملة كبيرة تشهدها الدول الغربية تحديدا، تارة تحت عنوان ( الإرهاب الإسلامي) وتارة أخرى تحت عناوين الإسلام السياسي.
لا استطيع – بالطبع- أن استثني أية أسباب قد تخطر على بال أي مسلم حول هذه ( الهجمة)، سواء تعلقت بتاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب، وما يزدحم به من صدامات، وربما أحقاد وثارات، أو تعلقت بالصهيونية وإسرائيل ولوبياتها المنتشرة في العالم، أو بما يسمى ( الاسلاموفوبيا) التي تم صناعتها من قبل دول ومراكز استخبارتية وإعلامية تسعى إلى تطويق الإسلام وشيطنته لمنع تمدده خارج حدوده الجغرافية المعروفة.
يمكن أيضا أن أضم صوتي لكل الأصوات في عالمنا الإسلامي وأكرر معها : لماذا يكرهوننا ؟ ثم استرسل في إصدار ما يلزم من أحكام الرفض للسياسات ( الظالمة) ضد الإسلام وأبنائه، بمعنى أنني أحمّل الآخر مسؤولية هذه الكراهية وأطالبه بالكف عنها، وربما اندفع أكثر من ذلك فأبادر ( للشماتة) منه واعتبر أن ما يتعرض له من إرهاب هو رد فعل طبيعي لما فعله من أخطاء تجاه المسلمين في الماضي وفي الحاضر أيضا.
هذا كله مفهوم في سياق واحد وهو تعليق المشكلة على مشجب ( الآخر)، والآخر هنا لا يختزل في (ماكرون) وما يمثله من ( نموذج) سيئ، وإنما يجري تعميمه على ( الجميع)، فالغرب ومعه العالم كله (كتلة) واحدة، وعداؤهم للإسلام والمسلمين واحد، ويجري على مسطرة واحدة.
هذا المنطق – بالطبع- يحتاج إلى نقاش طويل، لكن أخطر ما فيه أنه يضع الدين عنوانا وحيدا للعداء بين المسلمين وغيرهم، زد على ذلك انه يضع المسلمين في حالة استنفار دائم ضد الآخر الذي تحركه (المؤامرة) للانقضاض على الأمة التي تتحمل مسؤولية (هداية) العالم وتصحيح اعوجاجه، وحالة ( الاستنفار) هذه تحتاج إلى ( طاقة) حضارية لا تمتلكها امتنا الآن، وبالتالي تتحول إلى حالة ( مرضية) تأخذ أشكالا متعددة منها الانعزال عن العالم، أو الاكتفاء بإدانته ورفضه، أو إشهار المواجهة معه، والنتيجة واحدة وهي أننا نخسر أنفسنا ونخسر العالم أيضا.
لا يخطر إلى بالي أبدًا تبرئة الآخر الذي يتعمد عدم فهمنا والإساءة إلينا كمسلمين، فأنا أدرك تماما أن هنالك في العالم من يكرهنا لأننا مسلمون، كما أن فيه من لا يميز بيننا وبين غيرنا إلا حين تتصادم مصالحه معنا، وفيه ممن لا يعرفنا وليس لديه أيه أحكام مسبقة عنا، وفيه من يبادلنا الاعتراف والاحترام أيضا، بمعنى أننا في علاقاتنا مع هذا العالم كغيرنا، يحكمنا منطق المصالح، وحسابات الربح والخسارة، ومعادلات السياسة التي لا ترى ( الدين) إلا موظفًا في خدمة أهدافها فقط.
باختصار، العالم لا يكرهنا لأننا مسلمون وإنما يتعامل معنا بهذا الشكل لأننا ضعفاء، كما انه إذا كان اخطأ بحقنا فنحن أخطأنا بحقه، وهنا تحت ( أخطأنا) يجب أن نضع مئة خط، لا أتحدث فقط عن المتطرفين وأفعالهم التي أساءت لصورتنا في العالم، ولا عن خطاب البعض لتحرير العالم بالإسلام من ضلالاته، وإنما أيضا عن حالة ( التخلف) التي وصلنا إليها وأغرت العالم بالاستهانة بنا والتقليل من شأننا، وهي لا تتعلق بما نشهده من حروب وصراعات مخجلة، وإنما بما تراكم لدينا من جهل واستبداد وفساد، وما أصبحنا نمثله من أعباء على العالم نتيجة هذا التخلف.
الدستور