أقول لكم رأيي - بكلِّ تواضعٍ وحُب -: هذا الصرحُ الوطني الشامخ، لا يليق به البيع، ولا الشراء.. فـ الرأي تستحقُّ من القُرّاء، قبل كل الجهات الرسمية، أن تكون لهم، مهما كانت الكُلفة المطلوبة.. ولا أظن أن مليوناً أو أكثر، أو أقل، من الدّنانير يُعجزُنا أن ندفعَها - على كثرة ما ندفع، من ضرائب أو سمّوها ما شئتم، لإنقاذها من ذلك المصير «المُعيب» في حقِّ «مدرستِنا» الإعلاميّة الأُولى.. إعلامياً، وثقافياً، ورياضياً، وسياسيّاً.. والأَهمْ من ذلك كُلِّه «وطنّياً» وسأسمّي الأشياء بأسمائِها، بكلِّ وضوح:
1- لولاها لما كانت هناك حركة ثقافيّة.. مع كل الاحترام لكل الجهات المعنيّة بالثقافة.. وأنا - كشاعر - وكذلك غيري من الشعراء الأردنيين، أعترفُ بفضل الرأي عليّ، في التعريف بي.. ليس على المستوى المحليّ فقط.. ولكن على المُستوى العربي كُلِّه.. وهذا ما يوافقني عليه الآخرون.. بكل تأكيد.
2- ولولاها لما عُرِفَ الكُتّاب (وبخاصةٍ في ما كان يُسمّى «سبعة أيام») التي كان يتناوب على عموديها الأخيرين.. نَفَرٌ جعلت منهم تلك الشُّرفة المُطلّةُ على البحر، نجوماً بكلِّ معنى الكلمة، وزراء، ونواباً، وأعياناً، ومسؤولين كباراً في هذا الوطن.. أو صنعت لهم أسماءً عربيّة مشهورة، في «مجرّدِ عمودين اثنين، أو بالأحرى نصف عمودين في «آخر صفحات الرأي»، وليس في أولها.
3- ولولاها.. لما كانت هناك تلك التّحليلات الاقتصادية، والفنّية، والسياسيّة، والاجتماعيّة.. وسواها التي اعتمدها القارئ العاديّ، والقارئ المسؤول، والقارئ البعيد.. في أماكن شتّى من العالم، مرجعيّةً يُعتدُّ بها في المحافل المعنيّة.
4- وحدّث عن الفنّ، وعن الرّياضة، وعن غيرهما من المجالات التي بلغت في مجالها الرأي المدى الأقصى، والأَرقى، والأهم - في الداخل والخارج على حدٍّ سواء.
5- وأحسِبُ أنّ من الضروري القول: بأننا لم نكن جميعاً نكتبُ بلا مقابل مادّي.. في تلك الأيّام.. بل كنّا نتقاضى مبالغ بسيطة «بالملاليم - كما يقال - ولكنّها كانت للتقدير، والتكريم.. أكثر من أن تكون مكافأة، أو جائزة «تنافس.. نوبل!».. وأقول لكم: كانت تلك «الملاليم» مباركة، أو مبروكة، بالتعبير الشعبي المتداول»، لأنها كما سمَّاها في وقتها الكبار الكبار من أمثال «أبو عزمي» رحمه الله.. فنجان قهوة، أو علبة سجاير!!
ولعل الأهم الأهم: أنّنا كنا أكثر اعتزازاً بـ الرأي، وبأننا من أسرتها.. من كل المناصب التي كنا نشغلها.. فعندما يلتقي أحدنا بالناس.. كنا نقول لهم: فلان الفلاني، من جريدة الرأي.. ونِعم الإنتساب لصحيفة الوطن، التي كان يقرأها الناس في الخارج. ويقبلون على شرائها بذات الحماس التي كان الأردنيون - في داخل الوطن - يقبلون عليه يومياً!
سيقول لي القائلون «الإعلانات».. وأقول لهم: نعم هذا صحيح.. ولكنني أضيف القول: بل انها الرأي، وكانت الكلمة تكفي.. لإظهار أن لدينا صحيفة تنافس كبريات الصحف، في العالم العربي.. والكثير من دول العالم.. وهذه ليست مبالغة.. بل هي الحقيقة التي توجهني الآن، وتصيبني بالأرق، والتوتر، وأنا اسمع أن هذه الصحيفة العظيمة، لا تملك الآن ما تقيم به أوَدَها.. وهي في الطريق الى «البيع»! ولا فرق عندي، بين بيع المَبْنى، أو بيع أي شيء آخر.. فكلّ ما في الرأي للوطن: المبنى، وآلات الطباعة، والناس.. ملكٌ لنا جميعاً.. ولا ينبغي الوصول الى خيار الموت، إذا فقدنا نصف الرغيف، أو حتى فقدنا الرغيف كله!.
وأقول لكم أخيراً: يمكن «تدبير» المبلغ المطلوب ببساطة.. إذا كان هنالك من يُدبِّر، ويفكِّر، ويُقرِّر!!
الرأي