منظومتنا الصحية والكورونا
اللواء المتقاعد مروان العمد
02-11-2020 10:32 AM
منذ نهضة الاردن وقبل العشرات من السنين فقد اولى اهتمامه بالقطاع الصحي . وكان ذلك في البداية برعاية الراحل العظيم الحسين بن طلال عليه رحمة الله ورضوانه واكمل مسيرته هذه جلالة الملك عبدالله الثاني ، حيث تم انشاء العديد من المستشفيات العسكرية والمدنية في مختلف محافظاته وكان على رأس المستشفيات المدنية مستشفى البشير وعلى رأس المستشفيات العسكرية المستشفى العسكري في ماركا . ثم اقيمت العديد من المستشفيات الحكومية مثل مستشفى الجامعة الاردنية ومستشفى الملك المؤسس ومستشفى الامير حمزة ، فيما حظيت جميع المحافظات بمستشفياتها الخاصة ناهيك عن المراكز الصحية المنتشرة بجميع انحاء الاردن . وفي القطاع العسكري فقد تم انشاء مستشفى مدينة الحسين الطبية كأكبر مركز طبي اردني اخذ مع السنين يتوسع ويضاف اليه مباني جديدة لمختلف التخصصات الطبية . ثم تبع ذلك افتتاح مستشفى الملكة علياء العسكري بعد شرائه من القطاع الخاص بالاضافة الى العديد من المستشفيات والعيادات العسكرية في مختلف انحاء الاردن . ورافق ذلك نمو كبير في المستشفيات الخاصة حيث تم انشاء العشرات منها والتي شهدت اقبالاً شديداً دفع هذه المستشفيات للقيام بعمليات توسعة مستمرة ودفع مستثمرين آخرين لإقامة المزيد من المستشفيات .
كما شهد الاردن اقبالاً شديداً من ابنائه على دراسة الطب في جميع التخصصات في جميع انحاء العالم ثم تم افتتاح العديد من كليات الطب الجامعية في الاردن والتي خرجت آلاف الاطباء في مختلف التخصصات . ناهيك عن كليات التمريض والقبالة والتي شهدت إقبالًا شديداً من شبابنا وشاباتنا بحيث امكن الاستغناء عن استيراد الممرضات من الخارج . كما انتشر في الاردن العديد من المختبرات ومراكز الاشعة والعلاج الطبيعي وبمستويات عالية الجودة والدقة .
وقد كانت مستشفياتنا العسكرية اولا ثم المدنية والخاصة سباقة للقيام بالعمليات الجراحية المتقدمة بما فيها زراعة الاعضاء وامراض القلب وجراحته حيث تمت اول عملية قلب مفتوح في المستشفى العسكري عام 1970 وكانت الاولى على مستوى الوطن العربي . كما تمت اول عملية زراعة قلب في المنطقة العربية في مدينة الحسين الطبية عام 1997 . بالاضافة الى انشاء مركز لمعالجة امراض السكري ومستشفى الحسين للسرطان والذي تم تحديثه بحيث اصبح ينافس المستشفيات العالمية في هذا المجال . وقد اثبت الطبيب الاردني براعة ومهارة في عمله وعُرف الكثيرين منهم على المستوى العالمي . وبفضل ذلك كله اصبح الاردن قبلة من يسعون للعلاج وخاصة الامراض المستعصية واصبح مقصداً للسياحة العلاجية واصبحت هذه السياحة مصدراً مهماً من مصادر الدخل .
صحيح ان بعض المستشفيات العسكرية والمدنية قد شهدت كثافة في عدد المراجعين مما ادى الى تراجع في جودة خدماتها الا اننا كنا متجهين لمعالجة هذه الحالة حيث تم اعادة تأهيل مستشفى الملكة علياء واعداده لمعالجة جميع التخصصات . كما تم بناء مستشفى عسكري جديد في العقبة وفي مناطق اخرى . كما بوشر بعمليات توسعة وتحديث لمستشفى البشير والتي وصلت الى مراحل متقدمة وتم افتتاح اقساماً منها . كما تم الانتهاء من بناء مستشفى السلط الجديد .وكانت امورنا الصحية على خير ما يرام وتتناسب مع احتياجاتنا وكان ينقصها ان يشمل التأمين الصحي جميع افراد الشعب الاردني وان كنا قد اقتربنا من ذلك .
ثم جاءتنا جائحة كورونا على نحو غير متوقع والتي اصابتنا واصابت العالم كله والذي لم يكن يحسب حسابها ، فواجهت مختلف المؤسسات الطبية في العالم ازمات كادت ان تطيح بها وقد اطاحت في بعضها . وفي هذا لم يكن هناك فرق بين الدول الغنية و الفقيرة وان تمكنت الدول الغنية بما تملكه من امكانيات من تحسين خدماتها الطبية لمواجهة هذا الوباء . ولكن حتى الآن لا توجد دولة في العالم تستطيع ان تقول انها وصلت لمرحلة تقول فيها انها تملك امكانيات مواجهة هذا الوباء مهما بلغ امتداده وعدد المصابين به ، ولهذا اخذت الكثير من الدول وبعد زيادة اعداد المصابين فيها تتبع نظام الاغلاقات لتحد من الاصابات وتخفف الحمل عن قطاعها الطبي المهدد بالانهيار .
والاردن لم يكن بعيداً عن ذلك ولم يكن بحسبانه مواجهة هذا الوضع . الا انه تسلل الينا في المرحلة الاولى داخل اجساد القادمين من الخارج والذي انتقل منهم لبعض مخالطيهم . ومع اتخاذ إجراءات مشددة في البداية والقيام باغلاقات وحظر تجول فقد استطاعت مستشفياتنا بامكانياتها العادية من التصدي لهذا الوباء حتى انها اتسعت لكل من يثبت انه يحمل الفيروس حتى من غير ظهور اعراض عليه . وقد ادى هذا الامر الى ظهور حالة من الاسترخاء من جانب الحكومة ، وحالة من الانكار لوجود الوباء من جانب الشعب وصلت الى مرحلة اتهام الحكومة بأن اهدافها من الاغلاقات والحظر سياسياً وليس صحياً وانها شريكة في مؤامرة دولية على شعوب العالم .
وقد ادت حالة الاسترخاء هذه وعدم الرضى الجماهيري عن الإجراءات الحكومية و حالة الانهيار الاقتصادي وانقطاع دخل الكثير من المواطنين وخاصة عمال المياومة الى استعجال الحكومة في الانفتاح على العالم الخارجي وتخفيف الإجراءات على المراكز الحدودية او الاهمال بمراقبتها الى ان قام هذا الفيروس بشن هجومه الرئيسي علينا اعتباراً من شهر أب والتي تبعها زيادة في حالات الاصابة بهذا الوباء التي تتطلب الادخال الى المستشفيات . ورغم الإجراءات الحكومية لزيادة سعة المستشفيات المخصصة لمعالجة هذا الوباء وزيادة امكانياتها الا انه يبدوا ان ذلك لم يكن كافياً للتعامل مع الزيادات المطردة بالاصابات وخاصة مع عدم اتباع المواطنين لاساليب الوقاية منه بحيث وصل معدل الحالات المعلنة من الاصابات فوق الثلاثة آلاف اصابة يومياً والى ان لامست الاربعة الاف . وقد ادت هذه الزيادة بالاصابات الى زيادة اعداد الذين اصبحوا بحاجة لدخول المستشفيات والى زياده اعداد الذين يدخلون غرف العناية الحثيثة والذين اصبحوا بحاجة لربطهم باجهزة التنفس الصناعي مما ادى الى حالة من النقص في امدادات الاكسجين كما يبدوا وارتفاع عدد الوفيات اليومية لتبلغ بضع عشرات ووصلت في احد الايام الى سبعة وخمسين حالة وفاة .
ويبدو انه اصبح هناك نقص في معدات الوقاية للجيش الابيض الذي يحارب هذا الوباء في المستشفيات وغرف العناية الحثيثة او من يتم وضعهم على اجهزة التنفس الاصطناعي مما سمح لهذا الفيروس الى الدخول الى اجساد المئات من افراد هذا الجيش والى انتقال تسعة من الاطباء الى الرفيق الاعلى والذين نحتسبهم عند الله شهداء ونطالب الحكومة بالتعامل معهم كشهداء سقطوا في ساحة هذه المعركة .
ولقد صدرت قبل ايام بعض القرارات التي تهدف لتوفير المزيد من الحماية لهذا الجيش الابيض مثل اعلان الخدمات الطبية الملكية تخصيص مستشفى الملكة علياء العسكري لمرضى الكورونا وتخصيص قسم الطوارئ فيها للمصابين في هذا الوباء . على ان يخصص قسم الطوارئ في مدينة الحسين الطبيه للحالات المرضية الأخرى ، بالاضافة الى قرار اغلاق عيادات الاختصاص وهو الإجراء الذي اتخذته بعد ذلك عدداً من المستشفيات الاخرى .
الا ان هذه القرارات لم توضح كيف يمكن للمواطنين ان يحددوا بأنفسهم فيما اذا كانوا هم بحاجة لمراجعة طوارئ الكورونا او طوارئ الامراض الاخرى . واذا كانت الاجابة بأن مراجعي طوارئ مستشفى الملكة علياء هم لمن يثبت الفحص المخبري اصابتهم بهذا الوباء فمن يضمن ان مراجعي طوارئ مدينة الحسين الطبية لاسباب اخرى غير مصابين بهذا الوباء من غير ظهور اعراض عليهم او ظهور اعراض قد تبدوا انفلونزا عادية او قد تكون كورونا والذين سوف يختلطون مع مرضى آخرين مع زيادة حجم المراجعين له باعتباره المكان الوحيد في المستشفيات العسكرية بمدينة عمان وضواحيها لا ستقابل حالات الطوارئ . وفوق ذلك فأنه سيترتب على مراجعي عيادات الاختصاص وعندما يشعرون بحاجتهم للمراجعة الذهاب الى قسم الطوارئ وزيادة حالة الازدحام بهذا القسم وزيادة فرص انتشار الفيروس بين مراجعي الطوارئ وامكانية انتقاله لعناصر الجيش الابيض العاملين بهذا القسم . وكذلك الامر ينطبق على باقي المستشفيات التي اغلقت عيادات الاختصاص .
واني ارى ان يعاد فتح عيادات الاختصاص والتعامل مع كل مريض يراجع قسم الطوارئ او عيادات الاختصاص كمريض كورونا حتى يثبت العكس ، وان يتم توفير وسائل الحماية لكافة عناصر الجيش الابيض ومن يساعدهم وفي مختلف التخصصات او مكان العمل قبل ان يلتقوا مع اي مريض او مراجع كخطوة اولى . ويأتي ما اعلن عنه مؤخراً عن مفاوضات لاستئجار احدى مستشفيات القطاع الخاص وتخصيصه لمرضى الكورونا ، وبناء مجموعة من مستشفيات الميدان من قبل الخدمات الطبية الملكية في اماكن متعددة داخل المملكة خطوة ثانية في الاتجاه الصحيح على ان يتم تزويدها بالكوادر الطبية ومساعديهم وتعيين الاعداد اللازمة منهم . وكذلك اعادة مستشفى البشير بكامله لمراجعة الحالات المرضية العادية مع زيادة الكوادر الطبية العاملة فيه وفي مختلف المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية وتزودهم بالتجهيزات التي تمكنهم من القيام بعملهم وبنفس الوقت حماية انفسهم . ومتابعة الحالة الوبائية وتوقعاتها للمستقبل لزيادة التوسع بهذه المستشفيات والتجهيزات والمعدات التي يمكن الاحتياج اليها مستقبلاً مهما كان حجم انتشار الوباء وعدد المصابين به . وبذلك نضمن قدراً اكبر من حماية المواطنين وحماية من يقومون بحماية المواطنين من عناصر الجيش الابيض
وحمى الله الاردن وشعب الاردن وقيادة الاردن .