يعرف المختصون في قضايا التفكير الإستراتيجي أن مفهوم الأزمة قد نشأ في نطاق العلوم الطبية كتعبير عن لحظة مرضية يتحول فيها المريض إلى الأسوأ أو الأفضل خلال فترة زمنية حرجة وقصيرة، وأصبح هذا المفهوم وصفا نظريا لحالة من شأنها تعطيل سير العمل وإرباك الخطط والإستراتيجيات وطرق تنفيذها، بما يستوجب أعلى درجات الاستنفار من أجل التخفيف من حدة الأزمة، والتخلص من آثارها السلبية.
اليوم يتجلى الأصل الطبي لمفهوم الأزمة وتعريفاته المختلفة ونحن نواجه وباء كورونا، ونرى الحالة تنطبق على المصابين، وعلى الدول عندما يكون الجميع أمام اللحظات الحاسمة والمجهولة، دون أن نجد تفسيرا منطقيا لتفشي الوباء على نطاق واسع لدى دول غنية ومتقدمة في الأبحاث العلمية والصناعات الدوائية والإمكانات الطبية الهائلة، ونجدها أقل من ذلك بكثير لدى دول لا تملك شيئا من تلك الإمكانات، أو حين نفقد نحن هنا في الأردن ثلاثة أطباء في يوم واحد وغيرهم من الأصحاء، بينما ينجو آخرون من المصابين بأمراض مزمنة، وكبار السن!
تتفاقم الأزمة من يوم ليوم، والجهود المبذولة على المستويات الوطنية والعالمية ما تزال بعيدة عن المقومات الحقيقية اللازمة لمواجهة وباء من هذا النوع رغم الإعلانات المرتبكة عن الاكتشافات اللقاحية والدوائية، وهناك من يعتقد أنها حرب غير متكافئة بين الوباء وبين القدرات البشرية على مواجهته حتى الآن.
تظل إرادة الحياة، والحكمة والعقل الذي منحه الله للإنسان قادرة على مواصلة هذه الحرب إلى أن يتحقق نصر البشرية على الوباء، وأول خطوات العقل هي الأمل وتبديد اليأس، وتغيير أساليب التفكير، وتوظيف العلوم المتعددة لإعادة الحياة إلى طبيعتها.
يكمن التحدي الحقيقي الآن في قدراتنا على استدامة التعليم، والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وإمكاناتنا التكنولوجية والبحثية، وغيرها من عناصر الابتكار والاختراع والإبداع، وصناعة المستقبل، فتلك حرب تبدو طويلة، وقد حان الوقت لكي نغير خطتنا من أجل أن نكسبها في المعركة الحاسمة.
(الغد)