اعتدنا – كبشر- أن نقرأ دائما عن ثورات للفقراء، وهي ثورات تأتي في سياق طبيعي للقهر الذي يعانيه هؤلاء، وتتفاوت بحدتها من اعتصام سلمي إلى مظاهرات عنف، حسب الحالة والخصوصية ونسبة القهر االمكبوت في القلوب!!في الأردن، والأردن فقط، تنعكس الأشياء بصورة طريفة ومدهشة، فالأغنياء لملموا أنفسهم، وأعلنوا الثورة على الفقراء!!
الأخبار المترامية والمتتابعة في الشأن المحلي على مساحة الوطن الحبيب يوميا، تعطي –إذا تم جمعها في سياق واحد- مؤشرا على تحالف للأثرياء في الأردن، وهذا التحالف قادر على الضغط لصالح قرارات رسمية حكومية تصب في صالح الأغنياء فقط.
أسعار الدجاج، قضية تعني الفقراء عادة، وهذه المجنحات غير الطائرة، لها أسعار مجنحة وطائرة، ومهما احتج الناس العاديون، وأيا كانت درجة القهر التي يصلون إليها، ولو فقعوا كمدا، فإنهم بلا بواكي لهم، والحكومة قد – أقول قد- تنتدب وزير الزراعة ليجتمع بممثلين عن القطاع المعني لينثر وعودا مصحوبة بإشادات عن التنمية الزراعية في المملكة، والمحصلة في اليوم التالي خبر مع صورة في الصحف اليومية، ولا عزاء للفقراء.
لكن، إذا ارتفعت أسعار الإسمنت، وهي هنا متعلقة أكثر بالمقاولين والمتعهدين والأثرياء وكل "البنائين الجدد"، فإن ثورة هؤلاء تؤتي أكلها فورا، ويتم التراجع عن ارتفاع الأسعار في تلك المادة لتنخفض مرة أخرى، وتصبح معجزة مسجلة في انخفاض سعر سلعة بعد ارتفاعها، ويحدث ذلك في الأردن فقط.
في الشونة، الأخبار المترامية من هناك، توحي للمرة الأولى بوجود زعران وقطاع طرق، هكذا توحي صياغة الخبر، لكن تساؤلات الأستاذ حلمي الأسمر في مقاله اليومي فتحت أفقا جديدا في القضية، فلماذا الأغوار؟ ولماذا هؤلاء المزارعين البؤساء؟ وهل هي قضية زعران فعلا؟ أم أنها صرخة مقهورين عصفت بأرزاقهم ثورة أغنياء تم تسميتهم "بأصحاب حقوق"؟ نعم، ثورة أغنياء فريدة من نوعها استيقظت فجأة تحت وطأة الاجتياح "الاستثماري" في العقار الذي يغزو الأردن لتتذكر أن لها أراض، أو استملكت أراض "بطرق شرعية طبعا" وآن أوان الاستحقاق في طرد ساكنيها الفقراء، وتقديمها للإستثمار "التنموي"؟!!؟
هل نتحدث عن أمانة عمان؟ ومليون علامة استفهام تحيط بالكثير من استراتيجياتها الغامضة حول "تنمية" العاصمة، وتصريحات متسربة من قياداتها وقرارات ضريبية غامضة تمس الفقراء والمستورين، وتستر على الأثرياء والميسورين، واستملاكات بالجملة، وعدم شفافية في التوضيح، والعمانيون مع مدينتهم يشعرون أنهم "هدية" ولا أحد "يهديهم" راحة البال.
أم هل نتحدث عن جدلية التأمين الصحي الأزلية، ولا جابر لعثرات الكرام من فقراء الوطن إلا مكارم الديوان الملكي الهاشمي العامر اليومية وبالمئات، مع ان هذا دور مناط بالحكومات، والتي أخفقت بتعاقبها على وضع إستراتيجية تأمين صحي شامل لكافة المواطنين طوال عقود، مع تزامن بتردي مستوى الخدمات الصحية الرسمية والمتدهور باستمرار، لكن الأغنياء والأثرياء "وعوائلهم" والذين ثاروا على مستوى الخدمات الصحية الرسمية السيء جدا، وجدت الحكومة لهم حلا سريعا بشمول علاجهم في المستشفيات الخاصة بالتأمين الصحي، وهو صندوق أغلب مساهميه هم الفقراء والمستورين!!
الأغنياء في وطني ثوار، وفي الأردن فقط، يمكن لأصحاب الأرصدة البنكية الضخمة أن يكونوا غيفاريين، وثورتهم ديمقراطية بامتياز، على الطريقة الأمريكية بتشكيل جماعات ضغط لأصحاب مصالح، وهذا حق شرعي لأي جماعة مصالح، لكن أغفلنا في خضم لهاثنا الديمقراطي عن حقيقة مفادها ان من يملك المال فقط، يستطيع أن يوصل صوته بسهولة، أما من لا يملك شيئا، فهو مشغول بلقمة العيش، وضيق ذات اليد.
المرحوم شكسبير قال ذات مسرحية" غلف الخطيئة بغطاء من الذهب، تتكسر رماح العدالة عليها".
mowaten@yahoo.com