أعجبني كثيرا ما كتبه الشاب المبدع، رئيس تحرير صحيفة الغد، مكرم الطراونة، بمقالته بتاريخ 1/11/2020 تعليقا على ما جاد به وزير الصحة بشكر الكوادر الطبية، خصوصا ما جاء في آخر فقرة. فقد عقب بالقول: "حسنا؛ ماذا بعد؟".
ذكرتني مقولة الوزير برواية في تراثنا الشعبي، تحكي أن شيخ قرية ركب فرسه متأهبا للذهاب إلى المدينة، وكان هناك جمع كبير من أهالي القرية يقومون بتوديعه، والجميع يوصيه على مطالب يحضرها من المدينة، ويعددون ما يحتاجونه على مسامع الشيخ الذي كان يهز رأسه، ويقول: "ابشروا"، وبالتأكيد كان رده تسويفا للتخلص من إلحاح أهل القرية.
وبينما الحال كذلك، اقتربت امرأة مخترقة الصفوف باتجاه الشيخ، ومدت له يدها لاهثة وفيها "مجيدي"، العملة العثمانية القديمة، ناولته للشيخ وطلبت منه أن يحضر لأبنها (زميره) من المدينة. استلم الشيخ المجيدي من المرأة، ووضعه في جيبه بهدوء، ثم قال لها بتأكيد: "زمّر ابنيك".
يا معالي وزير الصحة؛ أنت تعلم أن موازنة وزارة الصحة للعام 2019 كانت 629 مليون دينار، وموازنة الوزارة في الحكومة السابقة للعام 2020 تم تخفيضها إلى 625 مليون. هذا كان في الأحوال العادية، أي ما قبل كورونا.
هذا الأمر يقودنا إلى المعرفة المسبقة بأن الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين ستتراجع بمقدار التخفيض على الموازنة، والتزايد السكاني، وارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، وأيضا الازديادات السنوية للعاملين في القطاع الصحي الحكومي، فكيف، بالله عليك، ستكونون قادرين على التعامل مع وباء كورونا في ظل هذه التراجعات جميعها!!
أذكر، يا معالي الوزير، قبل عدة سنوات تبرعات الجهات الأمنية إلى الحكومة بمبلغ (300) مليون دينار، وقد كان تبرعا في مكانه، ونحن اليوم في وضع حرج جداً أكثر مما كنا عليه قبل سنوات، لذلك لا بأس من دعوة إخواننا في الأجهزة الأمنية أن يكرروا هذا التبرع إلى وزارة الصحة، فالوضع الصحي اليوم أكثر خطورة، ونحتاج كل مجهود من أجل مواجهة الأعباء الصحية، والضغط الهائل على مرافقنا ومقدراتنا الصحية.
معالي الوزير د. نذير عبيدات، وأنت الذي استبشرت بك خيرا كبيرا عند قدومك وزيرا للصحة في هذه الحكومة التي تحمست لها وما أزال أحمل الحماسة نفسها حتى اليوم، أتمنى عليك أن تقترح على مجلس الوزراء استعمال المادة (94) من الدستور، وهي المادة التي تعطي الحكومة الحق بوضع قانون مؤقت عند الحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل.
هناك لا شك أفكار أخرى عند آخرين، وجميعها لا بد أن تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وعندها فقط نستطيع أن نقول لك يا معالي الوزير: "زمّر ابنيك".