عملية قيصرية للحالة الكورونية !
د. عادل محمد القطاونة
01-11-2020 09:44 AM
بعيداً عن تعددِ الأقلام وتضارب الأعلام، حقيقةِ الأوهام وضعفِ الإهتمام؛ فلسفة الكلام ولغةِ الصدام؛ فقد أصبح الحديث الشعبي حول الفيروس الكوروني مثاراً للجدل ومدعاةً للملل، فالتصريحات العلمية وافرة والاتهامات الشعبية واجدة، وما بين مٌشكك في الكورونا ومؤكد للكورونا، متقيد ومستهتر في لبس الكمامة؛ وما بين المؤامرة الكونية والحقيقة العلمية، يتساءل البعض عن حقيقة المرض وأشكاله؟ ويتعجب البعض من آثاره وانعكاساته!
بين مواقع للتواصل الاجتماعي ومواقع للهدم الفكري؛ وبعيداً عن شعارات بعض مرشحي الانتخابات وعدم منطقية التجمعات؛ فقد باتتَ المعلومات الصحيحة والبيانات الدقيقة مصدراً نادراً في عالم اصبح فيه الكل مٌخبراً صحفياً وعالماً ابداعياً، في عالم اصبح فيه البعض يعلم وغيره لا يعلم، يُقيم ويحلل، يٌفكر ويٌقرر؛ في عالمٍ يكثرُ فيه الكلام والانفعال، ويقل الانصاتُ والاكتمال، عندما تتعالى المزايدات والاشاعات وتتلاشى الكلمات والتأكيدات، تترامى التصريحات والإتهامات، يتساءلُ البعض عن حقيقة التوافقات والتناقضات في التصريحات والتلميحات الرسمية والشعبية؛ مسؤول يٌصرح وآخر يُلمح، ما بين من يُنهي ومن يُلغي، من يفرض ومن يُقرض، من يستثني ومن يستجدي!
محلياً، بلغ عدد الاصابات المؤكدة بفيروس كورونا (72607) حالة، والوفيات (829) حالة؛ عالمياً، فقد لامس العدد (46) مليون مصاب، شفي منهم (30) مليون مصاب، بينما وصل عدد الوفيات الى أكثر من (مليون ومئة الف)؛ وبعد تزايد عدد حالات الإصابة والوفيات بالأسابيع الاخيرة، وفي ظل الوضع الاقتصادي الحرج وبعيداً عن القيل والقال؛ الحظر الشامل والخطر القادم؛ نظرية المؤامرة وفرضية المغامرة؛ بات في حكم المؤكد ان الوضع الحالي يستوجب جراحة قيصيرية، تعمل على استئصال الوباء من جذوره لا من قشوره، وان يعاد صياغة المعادلة الصحية والاقتصادية بشكل عملي لا نظري وصولاً لمعادلة متوازنة تكفل سير الاقتصاد والسيطرة على الوباء.
ان معادلة تفضي الى إغلاق بعض القطاعات يقابلها دفع تعويضات سيؤدي إلى نتائج إيجابية، فمحلات بيع القهوة والمشروبات الساخنة المتناثرة في شوارع المملكة أصبحت اليوم واقعاً لا يمكن السكوت عليه؛ يستوجب ذلك إغلاقها جميعاً مع تعويضات مقبولة لاصحابها والقائمين عليها، وضمن معادلة تكفل التعرف على دخلها الحقيقي من خلال كشفها الضريبي عبر عمرها التاريخي.
التدخين بكافة اشكاله ومسمياته وفي بيئة مفتوحة أو مسدودة وعبر تناقل واضح لمواطن أو موظف مدخن من مكتب إلى مكتب، أو عامل في مقهى من طاولة إلى طاولة بات اليوم يشكل خطرًا داهماً لنقل الوباء واتساع رقعة الابتلاء، يستوجب ذلك وقف التدخين بكافة أشكاله ومسمياته في الأماكن العامة والمقاهي الخاصة.
الأندية الرياضية في كافة اشكالها ومسمياتها، تستقبل يومياً المئات من المشتركين الذين يتنقلون من جهاز رياضي لآخر، لن يمكن أي ادارة كانت من السيطرة على كل مشترك في تصرفاته وقابليته للتعقيم بعد كل نشاط رياضي، يتسوجب ذلك تعليق أعمالها مؤقتاً أو تقنين نشطاتها بشكل صارم وقابل للمراقبة والمتابع؛ النقل العام، ان من المناظر المحزنة والمؤلمة مشاهدة ذلك القاطع البلاستيكي الافتراضي ما بين السائق والراكب، في بعض وسائط النقل الخاص؛ فاغلب تلك القواطع وهمية غير حقيقية، لم ولن تساهم في الغاية التي انشأت من اجلها، يستوجب ذلك إلزام جميع وسائل النقل العام بتركيب قاطع زجاجي أو بلاستيك قوي ما بين السائق والراكب كما هو معمول به في الدول المتقدمة منذ عشرات السنين! اما باصات النقل العام فان لبس الكمامات يكاد يكون شبه معدوم يستوجب ذلك إلزام السائقين اولا بارتدائها ومتابعة السائق للركاب لارتدائها.
المستشفيات والمراكز الصحية، ان من غير المنطق ان يستقبل المستشفى الواحد حالات مرضية مختلفة من أمراض السكري والقلب والطوارئ ويستقبل نفس المستشفى حالات لإصابات بفيروس كورونا يستوجب ذلك إنشاء مستشفيات ميدانية وعبر مساحات واسعة غير مأهولة بالسكان، واعادة هيكلة القطاع الصحي من خلال تعزيز الكوادر الطبية العاملة بتعيينات جديدة، يرافق كل ذلك فصلٌ واضح في التعامل مع الحالات المرضية المختلفة، حتى يتم اعادة ترتيب البيت الصحي بشكل يحقق الكفاءة والفاعلية في التعامل مع جميع الحالات.
إن ارتداء الكمامات لم يعد من المكملات، بل يجب أن يكون من الأساسيات التي تحتم على جميع المواطنين التقيد بها في الأماكن العامة والمؤسسات الخاصة، عبر ارتدائها بشكل صحي وليس شكلي، يستوجب ذلك صرامة في التطبيق وعقوبة على السير في عكس الطريق.
أن وطناً بحجم الأردن، كان ولا يزال مدركاً لحاجاته وتحدياته، يستطيع اليوم من اجراء عملية جراحية دقيقة يعيد من خلالها الفيروس الكوروني لحجمه الحقيقي، صغيراً في نشاطه، ضعيفاً في انتشاره، من خلال معادلات صحية عميقة واجراءات حكومية مفيدة، من خلال زيادة الوعي الشعبي بأهمية التباعد الاجتماعي والإجراء الوقائي؛ حتى نجعل من المواطن شريكاً في العمل وأساساً في الأمل.