يقال بأن آفات الديمقراطية من داخلها تولد، ولا تحول ديمقراطي من دون كُلف سياسية، لكن لا شراء أصوات إلا في بيئات تغيب فيها السياسة فعلاً وخلقاً، والفعل السياسي عندنا ليس احترافاً ولا هو صاحب تقاليد راسخة، فالمعارضة موسمية، والأحزاب في سبات، والفعل العام للتدخل في السياسة يوصف بانه بطيء وغير ناجز.
المشكلة أن المجتمع هو من يفسد السياسة، ونخب هي من تجني الربح من ذلك، إذا يسهم المجتمع في تكرار البقاء لنخب ممثلة، عبر سنوات مديدة، تنتهي بالتوارث، او بعدم اقتناع ممثلي الشعب بأن دورهم انتهى فيصرون على البقاء.
يقال أيضا ان كل شي» دوده منه وفيه» واليوم تخرج المؤسسة العامة للغذاء والدواء بالقول بأن هناك كميات من الرز الفاسد تصل إلى عشرات الأطنان تمّ التحفظ عليها، وتشميع المستودع الموجود فيه الرز بالشمع الأحمر واغلاقه، وتحويل مالك المخزن المحتوي على الرز للقضاء.
لم يكن الزمن بعيد في مسار الفساد الغذائي، قبل شهور عاني الأردن من حالات تسمم كثيرة بفعل سوء تخزين الدجاج، والذي أدّى إلى مشكلة صحية كبيرة وحالات مرض، واليوم يتكرر المشهد في مادة رئيسية للغذاء وهي الرز.
المؤسسة العامة تقول إنها هي من كشف الأمر، وهناك آخرون ينفون ذلك ويقولون إنهم هم من قام بكشف الرز المسوس، ليس المهم هنا من سبق من، فلمن قام بذاك الشكر، لكن المهم كيف يتسع الخيال لتاجر بائس ان يقوم بإطعام الناس رزا مسوسا.
عموماً، الفرق ليس كبيرا من حيث السوء بين من يبيع الرز المسوس ومن يشتري الأصوات، لكي يصل لمجلس النواب، لكن الفرق في النتيجة كبير، فالتاجر إذا كُشف فسوف يُتلف المحصول او البضاعة التي أراد تمريرها للسوق، وسيعاقب وفقا للقانون، أما المرشح الذي ينجح بأصوات مشتراة وهدايا، فهذا سيبقى طوال فترة نيابته مسوسا، ولا يقوم بواجبه المناط به؛ لأنه يتعامل مع النيابة كبضاعة تدخل مخزنه ويجني الربح منها.
نعم النائب الذي يشتري أصواتا، لا يقل خطراً وسوءاً عن التاجر الفاسد، فهذا يفسد طعامنا، وذاك يفسد حياتنا السياسية وينهي احلامنا بالتقدم.
الدستور