نشأة وتطور المجالس التشريعية والنيابية في الأردن 10
د. فيصل الغويين
31-10-2020 05:48 PM
المجلس النيابي الخامس: 21/ 10/ 1956 – 20/ 10/ 1961
1
في 26 حزيران 1956، صدرت إرادة ملكية بحل مجلس النواب الرابع، واستقالت حكومة سعيد المفتي عملا بنص الدستور. وفي الأول من تموز 1956 كلف الملك حسين ابراهيم هاشم بتشكيل حكومة جديدة، ووعدت في بيانها الوزاري بإجراء انتخابات حرة نزيه.
امتازت الانتخابات بأنّها الأولى التي جرت عمليا على أساس حزبي، وتمتعت بقدر كبير من الحرية. ومما بشر بنزاهة الانتخابات قرار الحكومة بإلغاء حق أفراد الجيش بالمشاركة في الانتخابات. وقد سبق أن استغلت حكومة أبو الهدى هذا الحق لصالحها في انتخابات 1954، والتي شهدت تزويرا فاضحا.
تزامنت هذه المرحلة مع تحولات محلية وعربية تمثلت بإفشال محاولات دخول الأردن إلى حلف بغداد، وتعريب قيادة الجيش، وتراجع النفوذ الاستعماري البريطاني والفرنسي.
شاركت في الانتخابات جميع الأحزاب السياسية العلنية والمحظورة؛ كالحزب الوطني الاشتراكي، وحزب البعث، والجبهة الوطنية، والحزب الشيوعي، وحركة القوميين العرب، والدستوري العربي، وجماعة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي.
2
أسفرت الانتخابات عن فوز ستة أحزاب بثلاثين مقعدا من أصل أربعين مقعدا. وافتتح المجلس الخامس دورته الأولى يوم 25 تشرين الأول 1956، بجلسة مشتركة مع مجلس الأعيان، استمع خلالها إلى خطاب العرش الذي ألقاه ابرهيم هاشم، بحضور الملك حسين. كما حضر الافتتاح رئيس أركان الجيش السوري توفيق نظام الدين، وقائد القوات المسلحة المصرية عبدالحكيم عامر، اللذان كانا على رأس وفدين عسكريين قدما إلى الأردن لتوقيع الاتفاق العسكري الثلاثي، والذي وقع في 25 تشرين الأول 1956.
وفي ختام الجلسة وافق المجلس على إرسال ثلاث برقيات؛ تضمنت الأولى احتجاج المجلس إلى رئيس وزراء فرنسا على الأعمال العدوانية التي تقوم بها حكومته في المغرب العربي، واعتقال زعماء الجزائر. أما البرقيتان الأخريان فقد تضمنتا تأييد المجلس لجهود سلطان مراكش محمد الخامس، وباي تونس محمد الأمين لإنقاذ الزعماء الجزائريين من الأسر.
3
وفي 27 تشرين الأول كلف الملك حسين سليمان النابلسي، زعيم الحزب الوطني الاشتراكي، وصاحب العدد الأكبر من المقاعد النيابية (12) مقعدا، بتشكيل الحكومة الجديدة، والتي ضمت أحد عشر وزيرا، منهم سبعة وزراء من أعضاء المجلس النيابي، وأربعة من خارجه. وكان للحزب الوطني الاشتراكي ستة حقائب وزارية، فيما حصل تحالف الجبهة الوطنية، وحزب البعث على حقيبة واحدة لكل منهما. وشغل ثلاثة مستقلين بقية الوزارات.
مثلت حكومة النابلسي خطوة متقدمة في تاريخ الحكومات الأردنية؛ إذ جاءت ممثلة للتيارات السياسية التي نجحت في الانتخابات، ومثلت موازين القوى كما عكستها الانتخابات، فكانت أول وآخر حكومة من نوعها تتشكل على أسس حزبية. وقد أطلق على هذه الحكومة اسم "الحكومة الوطنية"، كونها استندت إلى قاعدة شعبية، وهو الأمر الذي يتحقق لأول مرة.
4
جاء تأليف الحكومة في اليوم نفسه الذي بدأ فيه هجوم اسرائيل المباغت على مصر، والذي تلاه دخول كل من بريطانيا وفرنسا إلى جانب اسرائيل في العدوان. وعلى الفور دعا الملك حسين مجلس الوزراء للانعقاد، وكانت رغبته قوية في فتح جبهة أردنية لتخفيف الضغط عن الجيش المصري، لكن النابلسي خشي من القيام بمغامرة عسكرية قد تؤدي إلى احتلال الضفة الغربية، نظرا لعدم تكافؤ القدرات العسكرية مع اسرائيل.
وردا على العدوان الثلاثي بادرت الحكومة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، وحذرت بريطانيا من استخدام قواعدها في الأردن ضد مصر، حيث كان الأردن لا يزال مرتبط معها بمعاهدة 1948. كما اتخذت الحكومة قرارا بدخول القوات السورية والسعودية إلى الأردن، ثم دخلت قوات عراقية أيضا بطلب من الملك حسين.
5
وفي 20 تشرين الثاني صادق البرلمان بالإجماع على قرار يطالب بإلغاء المعاهدة الأنجلو – أردنية، وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الاتحاد السوفييتي والصين. كما تم إعلان التعبئة العامة، وفتح أبواب التطوع.
وفي 27 تشرين الثاني أعلن النابلسي ضمن بيان حكومته بأنّها قررت قبول المعونة العربية المعروضة من مصر وسوريا والسعودية كبديل للمعونة البريطانية. وفي 19 كانون الثاني 1957 وقع الملك حسين، والملك سعود، والرئيس السوري شكري القوتلي، وجمال عبد الناصر اتفاقية المعونة العربية، بحضور سليمان النابلسي. وفي 22 كانون الثاني أقر مجلس النواب الاردني الاتفاقية. وفي 4 شباط بدأت المفاوضات مع بريطانيا لإنهاء المعاهدة معها. وفي 13 آذار تم التوقيع على الاتفاقية الخاصة بإنهاء المعاهدة الأردنية البريطانية لعام 1948، والتي نصت على جلاء القوات البريطانية عن الأردن خلال ستة أشهر. وعقد مجلس الأمة جلستين للنواب والأعيان، حيث أقرا بالإجماع إلغاء المعاهدة.
6
وفي 5 كانون الثاني 1957، أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور مبدأه الشهير الداعي إلى ملئ الفراغ في الشرق الأوسط، وبموجبه تعهدت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة إلى دول الشرق الأوسط، مما سمته بالخطر الشيوعي.
ناقش المجلس النيابي السياسة الأمريكية الجديدة. وأدلى وزير الدولة للشؤون الخارجية عبد الله الريماوي ببيان أمام المجلس، وأعلن أنّ الحكومة وهي تعمل على التحرر من النفوذ الاستعماري، لا تقبل أن يحل محله أي نفوذ أجنبي آخر، وأن مسؤولية الدفاع عن الوطن العربي يعتمد على الأمة العربية نفسها. وتضمن البيان رفض الحكومة قبول أي مساعدة اقتصادية تنطوي على أهداف سياسية. وهو ما شكل نقطة خلاف مركزية بين الحكومة والبرلمان من جهة والقصر من جهة أخرى. فقد كان الملك حسين مؤيدا لتبني مشروع ايزنهاور، في حين رفضته الحكومة والمجلس النيابي.
7
وفي 10 نيسان 1957 طلب الملك من الحكومة تقديم استقالتها، ودخلت البلاد في أزمة سياسية، حيث فشل كل من فوزي الملقي، وسعيد المفتي، وحسين فخري الخالدي، وعبد الحليم النمر في تشكيل حكومة جديدة. ولأول مرة في تاريخ الأردن، ظهرت نزعة العزوف عن قبول الوزارة، خشية التورط في تحمل المسؤولية في ظروف غاية في التعقيد.
وفي 15 نيسان كلف حسين فخري الخالدي بتشكيل حكومة جديدة ضمت عددا من رؤساء الوزارات السابقين من بينهم سليمان النابلسي.
وفي 23 نيسان عقدت القوى السياسية مؤتمرا لها في نابلس، شارك فيه 23 نائبا، وخرج بمجموعة من القرارات أهمها رفض مشروع ايزنهاور، والسعي لإقامة اتحاد فيدرالي مع مصر وسوريا. وبعد أن رفضت حكومة الخالدي هذه المطالب، عم الإضراب العام أرجاء البلاد، مما اضطر الحكومة إلى تقديم استقالتها يوم 24 نيسان.
وفي 25 نيسان 1957 كلف الملك ابراهيم هاشم بتأليف حكومة جديدة، قامت على الفور بإعلان الأحكام العرفية، وبحملة اعتقالات واسعة، وأعلنت عن حل الأحزاب السياسية، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، التي أيدت خطوات الملك والحكومة.
8
كان مجلس الأمة في دورته الاستثنائية عندما صدر قرار بفض الدورة في 28 نيسان. ولم يدع إلى الانعقاد إلا في 16 تشرين الأول 1957. وفي أول جلسة أعلنت رئاسة المجلس عن استقالة عدد من أعضائه، من المنتمين للحزب الوطني الاشتراكي، وأجريت مباشرة انتخابات لملئ المقاعد الشاغرة.
وفي نفس الوقت كان عدد آخر من النواب بين معتقل أو ملاحق أو فار خارج البلاد. ثم أسقط المجلس عضوية عدد من أعضائه، كان من بينهم: عبد الله الريماوي، شفيق ارشيدات، كمال ناصر، ويعقوب زيادين، وفايق وراد. وأجريت انتخابات فرعية لملئ مقاعد المفصولين في كانون الثاني 1958.
وفي 18 أيار 1958، قدم ابراهيم هاشم استقالة حكومته، حيث شكل سمير الرفاعي حكومته الخامسة، وتم تشكيل حكومة الاتحاد العربي، بعد إعلان قيام الوحدة بين الأردن والعراق (الاتحاد العربي) في 14 شباط 1958. هي الوحدة التي أنهاها بعد خمسة أشهر من إعلانها ثورة 14 تموز في العراق.
وفي عهد هذا المجلس أدخلت تعديلات لبعض مواد الدستور سنة 1958، بعد قيام الاتحاد بين الأردن والعراق، كما أدخلت تعديلات على قوانين وأنظمة الانتخاب لمجلس النواب بحيث زيد عدد أعضاء المجلس عشرة مقاعد، ليصبح مكونا من خمسين نائبا. جرى تمديد مدة المجلس سنة واحدة. واستمر يمارس مسؤولياته حتى صدور الإرادة الملكية بحله في 20 تشرين الأول 1961.... يتبع