تتمتع المملكة الاردنية الهاشمية بعلاقات دولية واسعة عبر سفاراتها في الخارج, تنطلق من مصلحتها الوطنية, والقومية. وتمتاز بالمد, والجزر, والثبات ذات الوقت, وقصدي هنا العلاقة مع سوريا الشقيقة , و ايران , و التي هي دبلوماسيا و سياسيا دون المستوى المطلوب, ولها اسبابها. وعلاقة الاردن بالمملكة العربية السعودية ركيزة ومقياس , و خط احمر يصعب تجاوزه. وامن السعودية من امن الاردن والعكس صحيح. وسبق للاردن أن رفض اكثر من عرض اقتصادي , وديني إيراني شمل مشروع قناة البحرين ( الميت الاحمر ) , و نفط مجاني لثلاثين عاما. وحالة من الفتور السياسي رفيعة المستوى بين عمان و دمشق منذ إندلاع الازمة السورية, و تحولها إلى دموية مؤسفة بعد دخول الارهاب إليها من 80 دولة , ثم خمود نيرانها تزامنا مع قدوم جائحة كورونا COVID19 إلى المنطقة هذا العام 2020. و على المستوى الدولي يقيم الاردن علاقات استراتيجية مع كل من روسيا الاتحادية , و الولايات المتحدة الامريكية بهدف إحداث توازن بين الشرق و الغرب وسط استمرار الحرب الباردة التي يفرضها الغرب , و يرفضها الشرق إلى جانب سباق التسلح مع الاحتفاظ بحق مواكبة التكنولوجيا و التطوير المستمر , و احداث قفزات عسكرية كل عشر سنوات .
الاردن منارة المنطقة الشامية الرابطة بين الجزيرة , و شمال افريقيا . و صنيعة ثورة العرب الكبرى المجيدة التي اطلق رصاصتها الاولى شريف العرب , و ملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه . و عبر الاردن في مئويته الاولى التي نقترب منها اربع مملكات شامخات قبلن تحدي العصر , و القرن الماضي ( امارة و مملكة عبد الله الاول المؤسس الشهيد 1921 1950, و مملكة طلال صانعة الدستور 1950 1952 , و مملكة الحسين 1953 1999 , و مملكة عبد الله الثاني المعزز 1999 وحتى وقتنا هذا 2020 , و التي ندعو الله لها ان تعمر و تزدهر , و ليحفظ الله جلالة الملك , وولي عهده المحبوب ) . وفي العمق مملكة الانباط بانية البتراء الوردية - الحضارة و التاريخ 169 ق.م 106 ميلادي . وفي جذور تاريخ المنطقة الشامية كان اليونان هنا ( 300 ق.م ) , وكان الرومان ( 63 ق. م ) , و البيزنطيين وسط المدن العشر الديكابوليس .
و يمتاز الاردن الذي اصبح محط انظار العالم رغم شح امكاناته الاقتصادية بسبب عدم توفر النفط , و الغاز بكميات انتاجية كبيرة وسط مصادره الطبيعية الغنية الاخرى , مثل الفوسفات , و البوتاس والذي يغطي 60% من المساحة الكلية , و اليورانيوم و الذي نسبته 65%, و الصخر الزيتي بحجم 40 مليار طن , و السيلكا بحجم 200 الى 300 متر , و حوض الديسي بمردود يصل الى 2 مليار دولار, و النحاس بمخزون يقدر بمليون طن . الى جانب مردود السياحة البالغ 5 مليارات دولار عام 2018 حسب البنك المركزي , ومنها العلاجية 1,2 مليار دولار كون الاردن متحفا مفتوحا من شماله الى جنوبه ( ام قيس وحماماتها , و اثار جرش , و قلعة عجلون , و المغطس , و حمامات ماعين , و البحر الميت , ووادي رم , و البحر الاحمر , و غابات جرش و عجلون ) , ويمتاز بكونه جزءا هاما يتموضع في صدارة بلاد العرب المطلة على فلسطين ,و( اسرائيل ). و لمحاذاته للسعودية , ولسوريا , و للعراق , و لقربه من لبنان , و من جزيرة العرب . و لقربه من مصر , وشمال افريقيا . و لوقوعه في قلب الشرق القريب من تركيا , و روسيا . و لعلاقته الجيوبولوتيكية من امريكا . و لمساحته الجغرافية البالغة (89,342 كلم2) المحسوبة على عمقه العربي البالغ من المساحة اكثر من ( 14 مليون كلم2 ) . وهي المساحة الثانية حجما بعد روسيا الاتحادية ( اكثر من 17 مليون كلم2 ) , و اكثر من الولايات المتحدة الامريكية البالغ مساحتها ( اكثر من 9 مليون كلم 2 ) . وهو, اي الاردن, بلد زراعي بامتياز , ومحتاج لاستغلال افضل لاراضيه الزراعية الاميرية , ومنها الصحراوية , وفي منطقة حوض الديسي . و لتطويرالتكنولوجيا الزراعية لديه ,ولتحسين صادرته الزراعية كذلك . و هو مصنف صناعيا بالصناعات الخفيفة التجميعية . و العالم من حولنا لا يتعامل معنا من زاوية اقتصادية بحتة لكي يستفيد كثيرا , رغم امكاناتنا الانتاجية الجيدة خاصة في مجال الزيتون و زيته , و الخضار و الفواكه , و انتاج الموز الفريد انتاجه في منطقتنا عالميا الى جانب الصومال .
الاردن يتمتع بعلاقات استراتيجية تاريخية ثابتة مع كل من روسيا الاتحادية , و الولايات المتحدة الامريكية و بتوازن , رغم ميوله تاريخيا للغرب الامريكي , و لامريكا في وقتنا المعاصر لاسباب محددة سياسية , و اقتصادية , وامنية . و الفرق الكبير بين الدولتين ( القطبين ) العظيمين الاتحاد السوفييتي قبل انهياره , و روسيا الان , وبين امريكا هو تمسك الطرف الاول السوفييتي الروسي بالقانون الدولي و فقا لاوراق الامم المتحدة , ومجلس الامن , و المحكمة الدولية , بينما ذهب الطرف الاخر الامريكي , ومع الغرب في عمق التاريخ المعاصر الى القفز على القانون الدولي , و التمسك بادارة العالم حتى قبل انشاء القطب الواحد بعد الانهيار السوفييتي المشهور عام 1991 , ولازال كذلك حتى يومنا هذا , رغم ملاحظة الفروقات بين الغرب الاوروبي , و امريكا سياسيا . و بالمناسبة فان عملية تأسيس الامم المتحدة بتاريخ ( 24 اكتوبر 1945) كانت مشتركة شاركت فيها فرنسا , و الصين , و المملكة المتحدة , و الاتحاد السوفييتي , و الولايات المتحدة الامريكية في مدينة ( سان فرانسيسكو كاليفورنيا ) الامريكية بعد مؤتمر (دومبارتون اوكس ) في واشنطن . و يذكر بأن عصبة الامم المتحدة كانت عاملة بعد حروب نابليون بونابارت 1812, و الحرب العالمية الاولى 1919 1920 . لكن قدوم الحرب العالمية الثانية اجهض عملها , وهي التي تأسست في مؤتمر فرساي 1919 في باريس و اتخذت من جنيف مقرا لها .
اصرت الولايات المتحدة الامريكية بعد فوز التحالف السوفييتي ) المحور) ان صح التعبير في الحرب العالمية الثانية ( العظمى ) 1945 على النازية الالمانية الهتلرية و حلفها , على جر الغرب معها تحت مظلة حلف ( الناتو) العسكري المؤسس عام 1949 لاعلان حرب باردة ضد السوفييت , إستمرت حتى يومنا هذا في وجه روسيا , و الصين , و الشرق عموما , رغم وقوفها في ربع الساعة الاخيرة الى جانب السوفييت , و انقلابها على اليابان في هيروشيما , و ناكازاكي نهاية الحرب . وارتكزت على اسرائيل , و شجعت احتلالاتها لاراضي العرب خفية عبر كافة حروبها معهم ( 1948 , 1956 , 1967 , 1968, 1973 ) . و هدفها بعيد المدى السيطرة على اقتصادات العالم , ومنع نهوض قوى تنافسها اقتصاديا , و عسكريا مثل روسيا , و الصين . و نلاحظ في المقابل مناهضة السوفييت للحرب الباردة , و سباق التسلح . و هكذا , هو الدور السياسي , و الاعلامي , و الاقتصادي الروسي الان , ومنذ انهيار اتحادها عام 1991 . ومضت روسيا تتصدى للحرب الباردة من دون حلف عسكري منذ انهيار حلفها ( وراسو ) عام 1991 , و هو الذي اسس عام 1955 . و تتعامل مع قضايا العالم و ازماته , ومنها العربية , و التي في مقدمتها الفلسطينية العادلة , واختلفت عن امريكا التي قادت صفقة القرن المشئومة , و التي هدفت لابقاء احتلال اسرائيل لاراضي العرب منذ عام 1967 قائما مع استمرار السماح بنشر الاستيطان غير الشرعي عليها , و عبر قلب معادلة حق العودة للفلسطينيين لتصبح حقا ليهود العالم , مع احترامنا لليهودية كدين سماوي في اطار الاديان الابراهيمية السمحة في منطقتنا .
لقد سبقت امريكا روسيا بالاقتراب من الاردن , فبينما اقامت الاولى علاقاتها معنا عام 1951 , نجد بأن الثانية اقامتها عام 1963 . و الحضور الامريكي في منطقتنا ارتبط وجوده باسرائيل , و بأمنها . و شكل الاعتراف السوفييتي باسرائيل اولا عام 1948 مدخلا للانتشار صوبنا هنا في الاردن , ووسط العرب . وكل خطوة امريكية لصالح الاردن كانت تحسب , و لازالت بالمقياس الاسرائيلي , و لم ترغب امريكا يوما بوجود دولة محاذية لاسرائيل تشاكسها . و اختلف و قوف السوفييت و في مقدمتهم الروس مع الاردن و العرب , فلم يساندو احتلالات اسرائيل يوما , وكانت لهم وقفة مع العرب في نكسة حزيران عام 1967 عبر تحريك ( الفيتو ) . و في حرب تشرين عام 1973 , و في الحرب العراقية الايرانية 1980 1988 في مواجهة السلاح الامريكي , و قبل إجتياح ( الناتو) بقيادة امريكا , و بالتعاون مع ايران للعراق عام 2003 , من خلال صولات يفغيني بريماكوف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبغداد , و لمنع اجتياح الكويت من قبل العراق عام 1990 . ووقفة روسية صلبة الى جانب دولة فلسطين , و عاصمتها القدس الشرقية , و قرارات الشرعية الدولية ( 242 ,و 338 ) , و وقفة روسية مشابهة مع عروبة الهضبة السورية ( الجولان ) , و رفض اسرلتها و بالتعاون مع امريكيا عام (2019) . ووقفة روسية مشهودة قادها سيرجي لافروف وزير خارجيتها ضد ضم الغور الفلسطيني المحاذي للغور الاردني و لشمال البحر الميت إسرائيليا , واصفا قرار الضم حينها بالتصعيد الخطير , و الدافع باتجاه جولة جديدة من العنف ( 16 حزيران 2020 –لقاء مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل ) , قابلها تصريح لمايك بومبيو وزير خارجية امريكا اعتبار ضم اجزاء من الضفة الغربية قرار اسرائيلي , و بأن موقف امريكا الى جانب إسرائيل سيكون غير معلن (22 نيسان 2020 ) . وهنا اسجل باعتزاز كبير موقف جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين “ حفظه الله " بوجه محاولة ضم الغور الفلسطيني , و شمال البحر الميت المحاذي للغور الاردني , و الذي تمثل بوصف المشروع بالصدام الكبير إن حدث , و عبر اتصالات مكثفة مع الكونغرس الامريكي , و اوروبا , و روسيا , و اهم دول العام المؤثرة .
اردنيا نقيم علاقات جيوبولوتيكية مع كل من روسيا الاتحادية , ومع الولايات المتحدة الامريكية , و مع عدد ساحق من دول العالم . و علاقتنا الاردنية مع روسيا تاريخية منذ عهد مليكنا العظيم الراحل الحسين طيب الله ثراه , و الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف بتاريخ 21 اغسطس 1963 متطورة , و لقد عزز خطاها جلالة الملك عبد الله الثاني , و سيادة الرئيس فلاديمير بوتين و بشكل ملاحظ . ووصل حجم التبادل التجاري بين بلدينا الى نصف مليار دولار . وحراك إقتصادي و علمي و فني عززه الاجتماع الخامس للجنة الوزارية الاردنية - الروسية عام 2019 , و لقاء قادم هذا العام 2020 لتوسيع شبكة الاقتصاد الثنائية , وتعاون زراعي , و سياحي , وعلى مستوى سكك الحديد , و في مجال مكافحة جائحة كورونا COVID 19 . وكلنا نتذكر بالخير الجهد الاردني - الروسي- الامريكي المشترك في منطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري بهدف اعادة اللاجيء السوري الى وطنه , و لضبط الامن في الشريط الحدودي , و للمساهمة في بناء علاقات اقتصادية , و سياسية مستقرة بين الاردن و سورية الشقيقة . ودور روسي هام في مكافحة الارهاب في سوريا تحديدا رغم ( الفوبيا الاعلامية و السياسية ) التي ارتطمت بجهدها هناك في الجوار , كان له الاثر الطيب على استقرار الاردن , و المنطقة الشرق اوسطية برمتها . و هو دور امني بامتياز .
ستبقى الولايات المتحدة الامريكية تحتل الرقم واحد بالنسبة للاردن استراتيجيا , و على صعيد امنه الوطني , و استقراره الاقتصادي , و السياسي لعدة اسباب , في مقدمتها السيطرة الامريكية على الشأن الاسرائيلي السياسي , و العسكري , و الاقتصادي برمته . ولكون امريكا داعم رئيس و اساسي للاقتصاد الاردني . ومذكرة التفاهم الموقعة بين الاردن و امريكا حسب وزير خارجية امريكا مايك بومبيو عام من عام 2018 و حتى عام 2022 تقدم امريكا للاردن ما مجموعه 6,375 مليار دولار بواقع 1,257 مليار دولار سنويا . وتم زيادة المساعدة هذه الى 1,525 مليار دولار , منها 10,08 مليار دولار للاقتصاد , و 425 مليون دولار للدفاع الوطني . ويضاف الى هذا معاهدة التجارة الحرة بين الاردن و امريكا , و مكافحة الارهاب , و التدريب العسكري المستمر ,و دعم قروض ب 75 مليار دولار , و دعم مشاريع صغيرة , و دعم مشاريع منزلية ايضا ( صفحة السفارة الامريكية بعمان ) . وتصريح جديد للسفير الامريكي بعمان ووستر هنري سجل به اعجابه بالثقافة الاردنية بعد زيارته لوسط العاصمة . وسبق لسعادته أن اعلن عن دعم بلاده امريكا للاردن اقتصاديا ,وفي مجال الطاقة ,و صحيا , وفي مجال مكافحة جائحة كورونا , و امنيا للتصدي للارهاب ( بترا .18 اكتوبر 2020 ) .
في الختام ادعو للعلاقات الاردنية الروسية , و الامريكية , و الدولية الازدهار لما فيه كل الخير لنا , و لهم , و ليعم السلام العادل كافة منطقتنا العربية , وكل العالم .