من خلال استعراضنا لسيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم لابد ان نقف على محطات مفصلية في فهم من هو محمد رسول الله؟ وكيف جعله الله ميزانا حقيقيا لتوازن العالم كله؟ وليس نبينا مبعوثا فقط الى قوم معينين بل هو للعالمين بنص قول الله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) والعالمين كل شيء سوى الله فهو سبحانه ( رب العالمين ) اي رب كل شيء مليكه فهل رسول الله هو الرحمة للعالمين وما معنى ذلك دعونا نرى هذه السر العظيم الذي جعله الله في هذا النبي الكريم كيف يكون وفي حالاته التي يجب ان مدركة عظم شخصه صلى الله عليه واله وسلم ونبين ذلك من خلال عشرة مشاهد وهي:
المشهد الاول: عندما ولد صلى الله عليه وسلم حلت البركة على الجزيرة وولد معه الخير واضاءت قصور بصرى الشام وسقطت الجنود من على شرفات كسرى وعلمت الجن والانس بملوكها والمنجمون والكهنة ان محمدا قد ولد او ان شيئا يحدث في هذا العالم لم يسبق ان حدث تنبيها منه سبحانه الى ان بولادته انتصار الحق وسقوط الباطل وهذه الهزة القوية التي صاحبت ميلاده عندما وضعته آمنه عليها السلام كان يتغير العالم كله فانظر كيف ان ميلاده ليس حدثا عاديا في بقعة محددة بل امتدت ارتداداتها الى العالم كله لانه رسالته للعالم كله .
المشهد الثاني: مكة التي كانت تجبى اليها ثمرات كل شيء ووضعت مهابة العرب في قلوب الحجيج حتى غاظ ذلك ابرهة فاراد هدمها فولد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل فكانت ولادته فيها البركة والنصر لقريش والعرب والايات الارهاصات التي تدل على شأن عظيم في حادثة الفيل .
المشهد الثالث: بقيت مكة لها شأنها ومكانتها بعد حادثة الفيل وببركة ولادته الشريفة صلى الله عليه وسلم تهابها الناس ويحجون اليها ويدفعون اموالهم وتجاراتهم ويتكسب اهل قريش بهذه الرحلة الى بلادهم فينعمون طوال العام بموسم الحج الذي يدر عليهم الخير الكثير وكله ببركة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم زادة المهابة والقوة لعرب الجزيرة.
المشهد الرابع: بعث له صلى الله عليه وسلم فقوبل بالسب والشتم والايذاء فما دعا على قومهم بل سال الله لهم الرحمة لانه نبي الرحمة بقي النبي صلى الله عليه وسلم يواجه صلف قريش وحقدها وعدوانها حتى اشتد الخناق على الصحابة الكرام فاذن بالهجرة لهم .
المشهد الخامس: ثم اذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة ايضا مع صاحبه وهو لا يريد الخروج لانه يعلم ان خروجه هو خروج الرحمة فهو عين الرحمة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون) اي لا يعلمون ان خروجي هو خروج الرحمه وحلول العذاب بدلا عنها.
المشهد السادس: خرج رسول الله تحت هذا الضغط الكبير وفي نيته الرجوع لتعم رحمته كل بلاد العالم وتنطلق من جزيرة العرب الى شتى اصقاع الارض .
المشهد السابع: بعد خروجه صلى الله عليه وسلم توالت الهزائم والشدائد على قريش وخسرت كل شي من الامور المالية والمعنوية يطالبون ملوك الارض بمساعدتهم للخلاص من محمد ولكن كل المحاولات باءت بالفشل واتسعت قوة الاسلام ودولة الحق والنور والعدالة وتقهقر الكفر واهله في كل المعارك مع المسلمين .
المشهد الثامن: عم الرخاء في المدينة بعد ان كانت تصيبها الامراض والاوبئة والاقتتال والحروب بين الاوس والخزرج وغيرهم ويتلاعب فيها يهود باسواقها وحصونها واراضيها ويكذبون على اهلها ويخيفونهم بان نبي اخر الزمان سيخرج منهم ويقضي على العرب فكان الامر معكوسا خرج نبي اخر الزمان فامن به بعض العرب وكفر به يهود وكان النصر كما هو دائما حليفا لمن يقف مع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
المشهد التاسع : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة فاتحا فكان يوما مشهودا في الرحمة فقال: ( انه يوم المرحمة ) وليس الملحمة. فصالح اهلها واعطاهم العطايا المادية والمعنوية وآمنهم في أوطانهم وبيوتهم يعيشون بأمان وسلام بين ظهرانيه صلى الله عليه وسلم ثم رجع ليكمل حياته في المدينة وهذا يدل على ان هدفه ليس استرداد البلاد وانما دخول اهلها في الرحمة المهداة فما قرت له عين حتى شاهد اهلها ينعمون بهذه الرحمة .
المشهد العاشر: حجة الوداع فانظروا الى مباديء خطبته التي تعجز كل مؤسسات حقوق الانسان في العالم اليوم ان يرسموا معالمها كما رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته المباركة وضع الحقوق العامة للانسان واحترام الاخرين وقبول التعدد المجتمعي وعوامل بناء الدول وعوامل هدمها وقواعد الاقتصاد واحترام المراة وعدم الاعتداء على الاخرين كل هذا في خطبة واحدة واكثر من ذلك فما زال العلماء يحللون كل كلمة في خطبة الشريفة وياخذون المعاني والعبر التي تدل على انه دين الرحمة ونبي الرحمة واسلام الرحمة.
خلاصة الكلام عندما تقرر اي دولة ان تخرج من بلادها احترام محمد نبي الرحمة فهذا نذير وبال وشؤم على تلك البلاد وفي اللحظة التي يخرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والايذاء والاستهزاء فاعلم ان الدمار والخراب والعذاب سيحل في دارهم او قريبا منهم فقال تعالى( وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم) فالمعنى الاوسع لكلمة ( فيهم) اي قبول الاسلام في بلادهم فاذا قررت فرنسا اليوم او اوروبا ان تخرج الاسلام فانها هي اول من سيخرج من معادلة الرحمة ويحل عليها سخط الله تعالى. فنسال الله ان يرد العالم كله الى حضن نبي الرحمة ليعيش في رحمة وسلام .