ونحن نحتفل بذكرى مولد سيد البشرية ..
فيصل تايه
29-10-2020 11:57 AM
يا لهذه لأمة المتخمة بالخلافات والقطيعة والآلام وهي تحتفل وتبتهج بذكرى ميلاد سيد البشرية وهو الانسان المتسامح الذي قال لأعدائه يوم أن دخل مكة منتصراً : «اذهبوا فأنتم الطلقاء»؟! .. قال ذلك لأناس آذوه وشتموه وأشعلوا النار في طريقه ورجموه بالحجارة وحاصروه ومنعوا عنه الطعام والشراب وعزلوه عن العالم وتآمروا على قتله ورموه بأصناف التهم والافتراءات وضربوا أصحابه ونكّلوا بهم وقتلوا بعضهم ثم اضطروه إلى الخروج من وطنه ومفارقة أهله وناسه.
رسولنا الكريم صاحب الميلاد ـ صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين – حين عاد إلى مكة بجيش من عشرة آلاف مقاتل ، لم يقل : ألقوا القبض على سيد مكة واقصفوا داره ليأخذ جزاءه العادل على ما صنعه بحق الشعب من قتل وتنكيل ومؤامرات ، وإنما قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ليذكّر المسلمين وليذكِّر أبا سفيان وغيره من المشركين أن دين الإسلام دين التصالح والتسامح والعفو وخفض الجناح ، وليس دين القتل والانتقام وإذلال الإنسان أو التضييق عليه ، والنبي الكريم بهذا القول أعطى أبا سفيان حقه من التوقير لمكانته في قومه «أنزلوا الناس منازلهم», ثم إن هذا التوجيه النبوي لا يعني أن من لم يدخل المسجد أو دار أبي سفيان سيلاقي حتفه بسيف المنتصر وسينهب ماله وممتلكاته بناءً على «ثقافة الفيد» التي يؤمن بها بعض مسلمي اليوم ، إنه احتفاء بقيمة الأمن والسلام والإعلاء من شأنهما وتوجيه ورسم خطط لمساراتهما ، وإلا فإن دار أبي سفيان كم يبلغ حجمه حتى يتسع لأهل مكة كلهم؟! ولم يقل فتشوا في البيوت عن الأصنام وحطموها أو فاهدموا البيوت بما فيها من الأصنام ، ولم يقل: اقصفوا دار الندوة ، مركز القيادة أو غرفة العمليات التي كانت قريش تدير مؤامراتها منه ، ولم يقل : اهدموا الكعبة لأبنيها من جديد بأموال طاهرة ، ولأطهرها من رجس الشرك والتسلط المتراكم من مئات السنين.
لم يكن رسولنا الكريم سوى أن حمل أصحابه على تحطيم الأصنام التي تلتف حول الكعبة فقط ، لأن القضية التي حملها ليست عداءً شخصياً مع أناس أو عناداً لهم حتى يمرغ كبرياءهم في الوحل ، وإنما هي قضية دين وقيم ومستقبل ومصلحة أمة ، وهي قضية أساسها إخراج الإنسان من عبودية الباطل والزيف والأشخاص والمصالح إلى عبودية الله الواحد ، ثم إن المنتصرين سيكسرون بتحطيم الأصنام رمزية هذا الزيف في قلوب أهل مكة وثقافتهم المترسخة ، وبتحطيمها أيضاً سيفرغ المنتصرون طاقاتهم ورغبتهم في الانتقام ممن ظلمهم وقتلهم على تلك الأخشاب والأحجار ، فلا احتفال في شريعة محمد على أنهار من الدماء ، ولا ترانيم فرائحية تأتي لتختلط بأنين الجرحى وصراخ أطفال انضموا إلى قائمة اليتامى .
لكننا نحن المسلمون اليوم نحتفل بذكرى مولد النبي الكريم المتسامح ، ونتظاهر بحبه والفرحة بمولده ، ونحن نملأ الأرض حقدا وضغينة ، ونحن نمنع عن بعضنا حق الطعام والشراب والهواء ، ونحن نجيد صناعة العداء والضغينة ونتقدم فيها كل يوم ، ونحن غير قادرين على القبول ببعضنا واحترام التنوع المذهبي واختلاف الآراء ، ونحن غير قادرين على صون دمائنا وتضميد جراحاتنا والاعتذار لبعضنا عما بدر منا.
ألن نستوعب إن ذكرى المولد النبوي الشريف - هو احتفال بذكرى إنسان استقبلته هذه الدنيا ليقيم دولة العدل والمحبة والسلام والتعايش بين الأمم ، وبين الطوائف والقبائل في إطار الأمة الواحدة ، ذكرى إنسان ساوى بين الفارسي والعربي ، والحر والعبد ، والمولى والسيد ، والبدوي والحضري ، والمهاجرين والأنصار ، والرجل والمرأة ، والأبيض والأسود ، والقوي والضعيف ، والغني والفقير ، وقال: «كلكم لآدم وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى .. والتقوى في القلب» أي أنها تتجسد في الخشية من الله عن صنع ما لا يرضاه من الأقوال والأفعال.
أفلا ينبغي أن يكون الاحتفال بذكرى المولد محطة لمحاسبة النفس الأمارة بالسوء على ما جنت بحق الآخر ، وحملها على ترك الأنانيات والأهواء وإكراهها على القبول بالآخر ، مهما كان رأيه مخالفاً ، وتذكيرها بأن الرسول الكريم حرّم أن يشير المسلم لأخيه بسلاح ، فكيف بمن يقتله أو يجرحه أو ينكّل به؟!
واخيراً ونحن نواجه اعداء الامة فمن حقنا أن ننتصر لرسولنا الكريم ، كما ومن الواجب ان يفهم هؤلاء المسيئين أن الإساءة لرسولنا محمد خط أحمر لا ينبغي الاقتراب منه، لأنه يمس بمشاعر المسلمين ، ولنعلمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يناله شيء مما اقترفت أيديهم ، ونُريّ هؤلاء الحاقدين كيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل بكل سماحة وعفو مع من يسيء إليه ، ولن نتعامل الا باخلاقه ، ولكنه بكل تأكيد لا يحب أن يرى من أمته من يغضب غضب الجاهلية، وباستطاعتنا ان ندافع عن رسولنا الكريم، ولكن بالعلم، والعلم وسيلة لإقناع الآخرين ، وعلينا تصعيد لهجتنا عبر الطرق الدبلوماسية ووسائل الاعلام المختلفة لأن ذلك واجب ينبغي عليها القيام به لتشعر الناس بأن دولهم تنوب عنهم فيما يتعرض له دينهم.
والله المستعان