أي رسالة نبعثها لهؤلاء الموظفين .. ؟!
حسين الرواشدة
29-10-2020 12:26 AM
حين كتبت الأسبوع الماضي في هذه الزاوية عن الرسائل المفخخة بالانتقام التي تبادلها موظفون أحيلوا إلى الاستيداع والتقاعد المبكر او جرى معاقبتهم، وعن مسؤولين استخدموا صلاحياتهم او تعسفوا في استخدامها، لم يخطر في بالي أبدا ان أتلقى عشرات المكالمات والتعليقات من القراء الأعزاء، ومعظمها جاء في سياق الشكوى والاحتجاج، لدرجة أنني تصورت ان ميزان العدالة الوظيفية في بلدنا كاد أن يختل، وان وراء كل ازمة او مشكلة نسمع عنها قصة «ظلم»، حتى لو كان هذا الظلم مجرد إحساس عابر او «وهم» لا يستند إلى أية وقائع او دلائل.
حين دققت في خارطة الردود وجدت انها توزعت على مختلف وزارات ومؤسسات القطاع العام في بلدنا، صحيح انها تختلف في حجمها وحدتها من مؤسسة لأخرى، لكن هذا الاختلاف كان على صعيد الدرجة لا النوع، اذ انها تنتسب في المجمل لإحساس عام واحد وهو: غياب العدالة، وجدت أيضا ان حصة وزارة التربية من هذه الردود حظي بنصيب الأسد.
لا خلاف على ان الإحالات للتقاعد جاءت في سياق التخفيف عن كاهل جهاز الإدارة العامة الذي يعاني فعلا من الترهل والحمولات الزائدة ناهيك عن العبث في موازين العدالة وتكافؤ الفرص، ولا خلاف ايضا انها ضرورة لفتح ما يلزم من الشواغر الوظيفية لآلاف الشباب من خريجي الجامعات الذين ما زالوا يبحثون عن فرصة عمل او وظيفة في القطاع العام، لا خلاف ثالثا على ان أداء بعض الموظفين كان دون المطلوب، وبالتالي فان إحالتهم على التقاعد كان مفهوما ومطلوبا ايضا.
لكن هذه الوجبات المتكررة من الإحالات او حتى من العقوبات التي صدرت بحق بعض الموظفين ـ تعرضت لعمليات «سطو» إداري أفقدتها المشروعية والثقة والصدقية، كما أفرغتها من أهدافها ومبرراتها أحيانا أخرى، يمكن هنا ان أتحدث بصراحة عن أسباب مختلفة ومتعددة تقف وراء إحساس هؤلاء الموظفين بالظلم، منها غياب المعايير والمساطر الموضوعية، والاستناد الى تقارير ميدانية غير صحيحة اشبه ما تكون بالدسائس والوشايات.
في إطار هذه المقررات التي انحازت أحيانا لمنطق المزاجية التعسف في استخدام الصلاحيات والسلطة، يمكن ان نجد نماذج شاهدة وربما صادمة ايضا، فثمة موظفون آخرون تعدت خدمتهم اكثر من هؤلاء وما زالوا على رأس عملهم بسبب انهم يحظون بثقة المسؤول، في المقابل ثمة آخرون سجلوا انجازات في مواقع عملهم لكنهم وجدوا انفسهم في قوائم التقاعد، وكأنه لا مكان للانجاز او الابداع في «معايير» الإدارة، او كأنهم عوقبوا على انجازهم، هنالك ايضا صنف آخر دفع ثمن مواقفه، سواء الإدارية او السياسية، الأمر الذي بعث برسالة مفخخة فعلا بالانتقام، مفادها أن المسؤول يمكن ان ينتقم من اي موظف بإحالته للتقاعد اذا تجرأ على رفع صوته بالانتقاد او اذا غرد خارج السرب او اذا كان غير محظوظ بواسطة او بمسؤول مباشر يخاف الله.
اي رسالة هذه التي نبعثها لهؤلاء الذين يشعرون انهم لم يقصروا في عملهم، ولم يستنفدوا طاقة العمل والانجاز لديهم، ولم يؤمنوا على مستقبلهم برواتب تكفي التزامات أولادهم، وأي رسالة نبعثها لزملائهم الذين ما زالوا على رأس عملهم حين يرون ان الصلاحيات التي يتعسف بعض المسؤولين في استخدامها هي التي تقرر مصيرهم الوظيفي دون اعتبار لموازين العدالة.. والكفاءة ايضا.
الدستور